شاءت الاقدار أن أكون في رحاب الحرمين الشريفين مع ارهاصات الثورة الشعبية الثانية التي انطلقت يوم 30 يونيو، ومنذ وصولي الي الحرمين لم تشغلني مناسك العمرة والصلاة عن متابعة مايجري في مصر، وما من معتمر أومواطن سعودي الا ويبادرني بالسؤال التقليدي ماذا يحدث في مصر؟ ولم أجد سوي الرجاء منهم أن يدعون معي لمصر بالامن والاستقرار وعبور الازمة .. كان الموقف محتقنا وملتبسا لدي الكل، فهناك من كان يري منح فرصة للرئيس المنتخب، ومع الخطوة الوطنية الجسورة التي اتخذها الجيش المصري برعاية الازهر والكنيسة وبعض القوي الوطنية، جاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في اول رسالة يتلقاها الرئيس المؤقت المكلف بادارة شئون البلاد، بالوقوف مع مصر، مشيدا بدور القوات المسلحة في حفظ الامن بعد ساعات قليلة من اعلان الجيش عن اعفاء الرئيس من منصبة استجابة للمطالب الشعبية العارمة. وهنا بدا الموقف الشعبي السعودي والاعلامي مستنيرا بمبادرة قيادته ومؤيدا لها وداعما لتوجهها، وحظيت مصر باهتمام واسع علي كافة المستويات، فقد خصها امام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس في خطبة الجمعة بجانب كبير من خطبته قائلا: ان الوضع العصيب الذي تمر به مصر الكنانة الحبيبة يقتضي المزيد من الحكمة والتعقل ونفاذ البصيرة حفظا لامن البلاد، محذرا من الانزلاق في ازهاق الارواح واراقة الدماء، ودعا لها بالخير والاستقرار وأمن خلفه جموع المصلين. وسطر الكاتب السعودي بدر الراشد في صحيفة الحياة قائلا: الحديث المعتاد عن مركزية مصر في الوطن العربي، واهميتها الاستراتيجية لم يعد كافيا لاهتمام السعوديين بمصر والذي تحول في وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي الي ظاهرة وانقسام صاخب، ان اهتمام السعوديين بمصر ليس بدعا من التاريخ، فالثورة الفرنسية أثرت في أوربا كلها، وانقسمت حولها النخبة وتجاذبت هؤلاء آراء ونظريات متعددة بما يوازي أو يفوق مايفعله السعوديون اليوم مع مصر. وفي تقرير حرره الكاتب السعودي سلطان بن بدر بصحيفة الوطن قائلا: اذا كان هتاف المصريين الشعب والجيش ايد واحده خلال ثورتي 25 يناير و30يونيو، فبالامكان تعديل هذا الهتاف لوصف علاقة الشعب المصري بشقيقه السعودي ليصبح.. مصر والسعودية ايد واحده. أما عاشقة مصر نجود شلبي فكتبت خواطر تعبر عن قلقها فتقول: الغاليه (أم الدنيا) .. طمنينا عنك.. أأنتي بخير؟؟ ول فين رايحه؟ وفي صحيفة الوطن أصابت الصحفية هيفاء الحبابي عندما كتبت تحت عنوان: لم يوقظوا فتنة .. بل خلقوها! شكلت احداث مصر صدمة وخوف من المستقبل لدي الكثير من الناس، لم يصدقوا أن مصر أم الدنيا الحاضنة لكل العرب الشعب الطيب المتسامح البسيط يصل الي هذه الدرجة من العنف والشراسة. وتتساءل : ماذا حدث ياتري في المجال المغناطيسي للنفس البشرية المصرية؟ ماذا حدث حتي افقدها تسامحها وطيبتها وتعايشها؟ من لعب في مجال أنفسهم المغناطيسي؟ فهم لم يوقظوا فتنة، بل خلقوها في المجال الذي كان متوازنا وطبيعيا، فلنذكر النفس البشرية المصرية باغنية الجميلة شادية.. يا بلادي يا أحلي البلاد يا بلادي.. ياحبيبتي يا مصر.