الإسلام هو دين العلم والمعرفة، ودين التقدم الحضاري والعمران ولا يأبي علي اتباعه ان يصنعوا لأنفسهم وحياتهم ما يدفعهم قدما الي الأمام، بل ان الاسلام امر بإعداد القوة، ليكون المسلمون أقوي من اعدائهم، واقدر علي دفع كل عدوان يتربص بهم الدوائر.. قال الله تعالي »وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة«. كما أمر الاسلام اتباعه بالسير والنظر في ملكوت السموات والارض وما بث الله في ملكوته من آيات.. ومعلوم ان الحضارة الاسلامية التي تبوأت مكانتها العالمية علي ظهر الارض، لم تكن وليدة الصدفة، ولم تنبعث من فراغ، وإنما اخذت وضعها في المجتمعات الإنسانية لانها قامت علي فكر مستنير، استمد رشده وهداه من ينابيع الإسلام الاصيلة، فقد منح الله تعالي الإنسان عقلا مفكرا يميز به بين الحق والباطل.. وبين الخير والشر.. وليفكر ويتدبر، ويبحث وينقب ويكتشف ويتقدم في هذا الكون الفسيح. وإلي جانب هذه المنحة الربانية وهي العقل، منح الله سبحانه وتعالي الإنسان سمعا وبصرا وفؤادا وجعله مسئولا عما منحه إياه فقال تعالي: »إن السمع والبصر والفؤاد كل اوالئك كان عنه مسئولا«. وقد اضطلع رجال أفذاذ من امتنا الاسلامية بمهمة البحث والاكتشاف وكانت لهم مناهجهم التجريبية التي اعترفت بها اوروبا ولا تزال مدينة لهم حتي الان، ومن هؤلاء الرازي وابن سينا في الطب، والكندي في الرياضيات، وجابر بن جبان في الكيمياء وابن الهيثم في الطبيعة. ويقول الاستاذ بريفولت في كتابه »بناء الإنسانية« ليس لروجية باكون، ولا لفرانسيس باكون الذي جاء بعده الحق في ان ينسب اليهما الفضل في ابتكار المنهج التجريبي، فلم يكن باكون إلا واسطة من وسطاء العلم والمنهج الاسلامين الي اوربا. وهو نفسه لم يمل- قط- من التصريح بأن تعلم معاصريه في أوربا اللغة العربية، وعلوم العرب هو الطريق الوحيد للمعرفة الحقة. تلك كانت نظرتهم، وذلك اعترافهم، وإلي اي مدي ادركوا اهمية اللغة العربية كطريق للمعرفة الحقة، أين هذا من اهمال الكثير من العرب للغتهم، وأين هذا من اولئك الذين ينادون للعامية، بل ويتحدثون بها ويهجرون اللغة العربية في الكثير من الاحاديث في وسائل الاعلام المختلفة؟ وأين هذا من الامية التي فشت في بعض المواقع ولا تزال؟!. لقد آن الأوان ان يقضي علي الامية، وان يأخذ المسلمون طريقهم الي العلم والمعرفة، والي الثقافة الاصيلة، والحضارة الإسلامية العريقة التي اسسها اسلافنا؟!. إن المسلمين اذا تأخروا فهذا نتيجة إهمالهم وتفريطهم في تراثهم وليس الذنب ذنب الاسلام، فالاسلام هو دين العلم حثهم عليه وامرهم بالبحث والنظر وأولي آياته »اقرأ« دعوة للعلم والمعرفة وجعل الله تعالي لهم الأرض مهدا وسلك لهم فيها سبلا. ولطالما تفشت دعاوي زائفة أثارها اعداء الاسلام في القديم وفي الحديث بغيا منهم وعدوانا، زاعمين - كذبا وبهتانا- ان الاسلام يتعارض مع التقدم الحضاري وأن المسلمين متأخرون. وقد وضح لنا مما سبق كيف حث الاسلام أتباعه وجعلهم مسئولين عما منحهم به من نعمة العقل والسمع والبصر والفؤاد. وكم انطلقت دعاوي اخري تقول بضرورة اخذ الحضارة الحديثة بحذافيرها، ودعوات ينادي اصحابها برفض الحضارة الحديثة وآخرون يرون انهم معتدلون فيأخذون منها الصالح ويتركون غيره، ولكنها أراء اذا طرحت علي بساط البحث والمناقشة لا يبقي منها شيء. فالقول بأخذ الحضارة الحديثة جملة مرفوض، لان فيها ما ليس بصالح ولان فيها ما يتعارض مع روح امة لها شخصيتها ومكانتها، والقول بتركها جملة لا يتفق ايضا بحال اذ ان هناك اشياء في تلك الحضارة اصبحت من ضرورات الافراد والمجتمعات والقول بأخذ الصالح منها ايضا لنا عنده وقفة، لان تحديد الصالح وغير الصالح سيختلف من عقل لعقل ومن فكر لفكر ومن بيئة لبيئة ونقف بعد ذلك لنقول:فما الحل؟. والاجابة علي هذا: ان في الاسلام كما سبق نهوضا وتقدما، وان العقل الاسلامي يدين له العالم الحديث بحضارته، فليسر الفكر الاسلامي المستنير بعلمائه وخبرائه وليأخذ مسيرته الموفقة موصولة من الخلف بالسلف، وليس في الاسلام تعارض بحال من الاحوال مع الحضارة والتقدم والنهوض، بل انه امر بالسير والنظر والعلم والمعرفة كما سبق، فالحضارة المادية والحياة المعملية بمخابرها وادواتها وكل اجهزتها ومعاملها وصناعتها لا تتنافي مع الإسلام بل تتفق معه ويدعو اليها. وأما ما يتصل بالفكر والثقافة، فإن لنا أصول ثقافتنا التي ترتكز علي الوحي الإلهي فيما يتصل بالشئون الدينية، والوحي الالهي مصون من أي زلل أو شطط لأنه معصوم، وأما الفكر البشري فهو قابل للخطأ والصواب، فمن حاول ان يأخذ من غير اصول الاسلام ضل، وما تسرب الغزو الفكري الي البيئة الاسلامية الإ في فترات الضعف التي انتابت الأمة فترات وفترات. وواضح ان القرآن الكريم دستور حياة، وتبيان لكل شيء وهدي ورحمة للعالمينو كفل للبشرية سعادتها دنيا وأخري، فمن حاول التقدم عن غير طريقة ضل ضلالا مبينا، وفي الحديث: »ومن ابتغي الهدي في غيره اضله الله«. وللسنة النبوية المشرفة علي صاحبها سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم فضلها فهي مفصلة لمجمل القرآن وموضحة لمبهمه ومقيدة لمطلقة ومخصصة لعامه، وشارحة لاحكامه. وفيهما معا الأمان عن الفتن ما ظهر منها وما بطن، والامان من الانحراف والضلال كما قال الرسول صلي الله عليه وسلم: »تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي« رواه الحاكم. وإن في القرآن والسنة غناء للفكر الاسلامي، وللثقافة الاسلامية ،يقول الله تعالي »أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلي عليهم إن في ذلك لرحمة وذكري لقوم يؤمنون«. وقد حذر الرسول صلي الله عليه وسلم من الخروج عن دائرة الكتاب والسنة، وأرسي مناهج الحياة الثقافية الاسلامية الصحيحة حتي لا يتخبط احد في دياجير الظلمات الفكرية او التيارات المغرضة.