محمد الشماع لماذا تذكرت استاذي العظيم العملاق موسي صبري النزيه الشريف وهو يتحدث عن ضرورة وحتمية الصدق في أي معلومة أو خبر حتي نصون ثقة القارئ في الجريدة؟ شاركت مجموعة من الزملاء الصحفيين من مختلف المؤسسات والصحف ووسائل الإعلام في تغطية أخبار ونشاط رئاسة الجمهورية علي مدي سنوات طويلة اقتربت من ربع قرن، وفي السنوات الأخيرة طوال عقد من الزمن كانت التصريحات متشابهة ومكررة نفس العبارات والجمل والكلمات الانشائية التي يكررها علينا وزير الاعلام الأسبق صفوت الشريف، كانت الاجتماعات والمقابلات تستمر ساعات طويلة ونحن في انتظار أن تنتهي حتي لا نتأخر في ارسال ما تسفر عنه هذه الاجتماعات إلي صحفنا في الوقت المناسب قبل موعد الطبع الذي كلما اقترب اصابنا التوتر والقلق! ورغم صداقتنا وعلاقاتنا القوية فيما بيننا كنا نتسابق علي من تتاح له فرصة ارسال التصريحات حتي لا تتأخر صحفنا عن موعد الطبع وكثيرا ما كان يصل هذا التسابق إلي الخلاف علي من تكون له الأولوية في استخدام الفاكس، وغالبا ما كانت تحدث بيننا مشاجرات غاضبة بسبب هذا التسابق، وكان تعدد الصفحات التي تمتلئ بتصريحات الوزير أو المتحدثين خلال المؤتمرات الصحفية التي كانت تعقد عقب هذه الاجتماعات والمؤتمرات واللقاءات في نهاية يوم العمل الشاق الذي يبدأ منذ الصباح حتي نهاية اليوم ونحن مقسمون إلي مجموعات التفريغ الكاسيت وكتابة التصريحات. كان منظر الزملاء وهم يقومون بهذا العمل غريبا بل مضحكا حتي أنني أطلقت عليهم فريق النقل العام، ربما كان الموقف يحتم علينا هذا الوضع لأن الجميع كان يخشي الخطأ، ولكي نحل مشكلة التكالب علي ارسال المادة الصحفية قررنا أن نعين من بيننا مدير عام الفاكس ويشغل هذا المنصب أول من يجلس علي الفاكس ليتولي تنظيم عملية الارسال وبالطبع سيكون هو أول من يرسل وفي هذا تداول للسلطة وتحمل المسئولية!
كما كان هناك منصب مهم وخطير وهو مدير عام الاعاشة وأمين الصندوق الذي كنا نتشارك فيه جميعا بمبلغ شهري لزوم توفير سندوتشات الفول والطعمية لسد الجوع أثناء العمل والشاي والقهوة لعدم وجود ميزانية بالرئاسة! لذلك كان من يتولي عملية الاشراف علي الاعاشة يتلقي منا اتهامات بالسمسرة والاختلاس والإثراء غير المشروع من حساب الصندوق الذي كنا نشارك فيه بمبلغ عشرة جنيهات شهريا! كان الصديق العزيز المهذب الكفء الاستاذ منتصر رحمي هو من يتولي أمانة الصندوق لسنوات طويلة وكان مراسلا للاذاعة المصرية وهو الآن بالفعل مدير عام بقطاع الأخبار باتحاد الاذاعة والتليفزيون منذ شهر أوأكثر فوجئت باتصال الزميل العزيز عبدالوهاب البرقاني الصحفي المخضرم بجريدة الجمهورية ومن أقدم المحررين لشئون رئاسة الجمهورية بدعوة علي العشاء وأن الصديق العزيز اسامة هيكل وزير الاعلام السابق سيكون معنا بصفته كان عضوا في رابطة صداقة وزمالة غير مشهرة »محظورة« لمحرري شئون رئاسة الجمهورية! فور اكتمال الزملاء علي العشاء اتفقت مع الصديق جمال أبو بيه الصحفي اللامع رئيس تحرير المساء السابق علي أن نرفع دعوي قضائية علي الصديق منتصر رحمي لأنه لم يصرف لنا مكافأة نهاية الخدمة من الصندوق وهددته إن لم يصرفها لنا! باعتبار أن الصندوق ملئ بالأموال! وضحك الجميع علي هذه المداعبة التي كانت سمة من سمات الحوار التي كنا نتغلب بها علي حالة الاجهاد والتعب.. رد الزميل منتصر قائلا: لقد دعوتكم علي هذا العشاء لانفاق ما تبقي لكم في الصندوق وهو مبلغ بسيط أعتقد أنه دفع من جيبه باقي تكلفة العشاء وهذا المبلغ ظل معي عدة سنوات ورأيت أن أريح ضميري وبعد العشاء قال: لقد استراح ضميري والآن أعلن لكم تصفية الصندوق وتصفيره.
كان وجودنا كصحفيين مصدر قلق وعدم ارتياح. كان يخصص لنا أفراد أمن لمراقبتنا في الرئاسة ومنعنا من التجول أو التحرك من المكان المخصص لنا سواء في مقرات الرئاسة أو خارجها ولا يتم التحرك قيد انملة إلا بتصريح خاص.. ولا نتواجد إلا عندما يتم استدعاؤنا في أي لحظة وفي أي مكان يتم تحديده.. كان العمل بالنسبة لنا تنفيذ أوامر والتزام بالتعليمات ومن يخالف أو يخطئ لأتفه الأسباب بغير قصد تكون الكارثة الكبري وتسحب منه بطاقة تغطيته نشاط رئاسة الجمهورية. وعند ذلك تصبح منبوذا من زملائك في الجريدة بعد أن كانوا يخشونك ويتقربون إليك باعتبار أنك في رئاسة الجمهورية ولا يبدي الكثير منهم رأيه في أي شأن سياسي أو غير سياسي باعتبار أنك أصبحت منهم ويخشي منك تماما.. أما بعد سحب التصريح فان هيبتك تضيع ولا يعيرك أحد اهتماما بل وتتناثر حولك الشائعات لماذا أبعدوك، وتنسب لك التهم والقضايا والانحرافات التي لا قبل لك بها لمجرد انك تجرأت مثلا وتحدثت مع أحد افراد الأمن بطريقة غير لائقة من وجهة نظره، أو انك ابديت اعتراضا علي طول فترة الانتظار التي تمتد ساعات طويلة تستطيع خلالها أن تتناول كوبا من الشاي أو المياه أو تذهب إلي التواليت لقضاء الحاجة خاصة أثناء المؤتمرات واللقاءات الموسعة والجولات التي كانت تستمر لأكثر من خمس ساعات أو ربما قد تصل إلي أكثر من ذلك بكثير دون ماء أو غداء! كنت طوال فترة عملي بالرئاسة لا أستطيع أن ارتبط بموعد أو إجازة أو زيارة عائلية لأنني متوقع أن يتم الاستدعاء في أي لحظة طوال اليوم وأن اتوجه إلي أي مكان وفي اللحظة التي يتم تحديدها لنا، فحرمت من أن أعيش حياتي كباقي البشر للأسف الشديد وأصبحت حياتي مرهونة بالعمل دون أدني حرية! كان العمل شاقا ومجهدا واذا اردت أن تتميز في عملك وتحاول أن تنفرد بخبر أو قصة خبرية أو انسانية أو تخرج عن النص في كتابة موضوعك فان ذلك يعرضك لأخطار وأهوال لا قبل لك بها قد يكون أقلها هو منعك من الدخول! باختصار كان التعامل مع الاعلام سيئا يغلفه الشك وعدم تقدير دور الاعلام واهميته بل وخطورته! كان جميع من يعملون بالرئاسة يخشون من أي حوار او سلام مع أي اعلامي او صحفي وعدم الاجابة علي أي سؤال او استفسار مهما كان تافها، فكان من يبحث عن خبر فإنه يكتب نهاية وجوده في المكان، كانت شكوانا ومعنا الاعلام الاجنبي انه لا يوجد من يجيب عن تساؤلاتنا واستفساراتنا فتم تعيين المتحدث الرسمي باسم الرئاسة السفير ماجد عبدالفتاح، ثم بعد ذلك السفير سليمان عواد بعد طول عناء ولكن كانت افضل فترة بالنسبة لنا هي وجود الكاتب الكبير محمد عبدالمنعم مستشارا اعلاميا للرئاسة فخلال هذه الفترة شعرنا بأن لنا من يقف الي جانبنا ويساعدنا في أداء عملنا واعاد لنا قدرنا لانه صحفي قدير وكاتب كبير يعرف ويقدر قيمة الصحفي لكنه لم يستمر طويلا بسبب نجاحه في اداء دوره بصورة مشرفة ورائعة فخبراته وعلاقاته بالصحيفيين والاعلاميين المصريين والاجانب، كذلك المامه القوي بالاعلام الخارجي، والمحلي وادراكه الكامل لخطورة واهمية الاعلام في مؤسسة الرئاسة. اتمني ان يكون النجاح والتوفيق للزميل والصديق احمد المسلماني المستشار الاعلامي لرئاسة الجمهورية وان يوفق في مهمته خاصة خلال هذه الفترة المهمة والخطيرة من تاريخ مصر، فهو صحفي واعلامي يملك كل ادوات النجاح. كنا مجموعة من الزملاء بل الاشقاء رغم التنافس في العمل الصحفي لم يمنع ذلك الاحترام المتبادل والتعاون وكنا نبحث عن البسمة في احلك اللحظات، سنوات طويلة من العمل الشاق في مهنة الاعلام عقدت العزم علي ان اسلك طريق المهنية والصدق وخدمة مصر ومازالت متمسكا بهذه القيم والتقاليد.
فجأة وسط الاحداث المتسارعة والمخاض الثوري والتنقل بين الفضائيات والصحف التي لا تعد ولا تحصي المحلية والاجنبية ومنها من باع الحيادية واستثمر الشفافية لصالحه ولصالح من يدفع اكثر ومن يحقق مصالحه واطماعه السياسية علي حساب الامن القومي لمصر مقابل تحقيق اماني واحلام بعيدة المنال فكذب وغالط وتنكر لما يدعيه من مبادئ ومثل وافكار بل بدل ايمانه بالكفر وبكل ما سبق.. تذكرت استاذي العظيم العملاق موسي صبري النزيه الشريف الذي مازالت سيرته العطرة تعبق اخبار اليوم اثناء احد اجتماعات مجلس التحرير في السبعينيات من القرن الماضي التي كنا نتعلم منها اصول واداب واخلاقيات مهنة الصحافة وكنت طالبا في كلية الاعلام واتدرب في العمل الصحفي بالمؤسسة كان العملاق يتحدث عن ضرورة وحتمية الصدق في أي معلومة او خبر وتحري الدقة فيما نكتبه حتي نصون ثقة القاريء في الجريدة والاحتفاظ باحترامه لما نقول ونكتب.. واستشهد علي ذلك قائلا: ان قراء الصحيفة في مختلف مدن وقري مصر يحتفظون بما يخصهم من اخبار ويقولون ان الجرنال قال وان الصحافة كتبت تأكيدا علي ان كل ما يكتب في الصحافة هو شيء صحيح مائة بالمائة فيجب علينا جميعا ان نكون صادقين كل الصدق! تذكرت ذلك بعد الاخبار التي نشرت مزورة وكاذبة عما يجري من احداث في مصر وثورتها العظيمة، وان هناك اتجاهات غير محايدة من الاعلام الخارجي في رصد الاحداث السياسية في مصر في مقدمة هذه القنوات ال»سي ان ان« وال»B.B.C« العربية وقناة الجزيرة مباشر وقامت هذه القنوات بالتركيز فقط علي احداث رابعة العدوية وميدان النهضة امام جامعة القاهرة متجاهلة احداث ميدان التحرير وتقوم هذه القنوات بتنفيذ مخطط لتشويه ثورة 30 يونيو. كل وسائل الاعلام تدعي التزامها المهنية والشفافية والمصداقية والحيادية، لكن الشيء الذي قد لا يعرفه الكثيرون انه لا حيادية حقيقية في الاعلام وان كل وسيلة اعلامية تهدف إلي تحقيق مصالح واهداف صاحبها ومن يديرها ويشرف عليها وان كل العاملين يعلمون تماما الهدف الحقيقي من انشاء او اصدار الوسيلة الاعلامية قبل الالتحاق او التعاقد مع ادارة الوسيلة الاعلامية. واذا تحدثنا عن قناة الجزيرة للأسف الشديد منذ بداية بثها وهي كارهة لمصر كوطن وتحاول تقزيم الدور المصري عن طريق الاخبار والبرامج بدرجة عالية من الحرفية بالاستعانة بشبكة عالية من المراسلين المحترفين.. القناة موالية للصهيونية دعت الي التطبيع مع العدو الصهيوني، ومساندة لانظمة حكم فاسدة ومعروفة وحاربت مصر في جميع المجالات وموالية للولايات المتحدةالامريكية برغم من انها تتظاهر ضد امريكا ومخلبها في المنطقة اسرائيل، وتعمل ضد الانظمة الوطنية العربية وداعمة للانظمة الاستبدادية لخدمة المشاريع الاستعمارية بالمنطقة.. باختصار قناة تدعو للفتنة قناة غير مهنية غير حيادية وقناة انتشرت للاسف في كل محافظات مصر تركز علي كل ما هو سيئ وقذر وعلي المشاكل والبطالة والاسعار وانعدام الخدمات وانفلات الامن دون ذكر شيء ايجابي علي ارض مصر كلها. ووصلت الي اماكن لم يصل اليها التليفزيون المصري الذي يمتلك عشرات القنوات التي لا تعد ولا تحصي وترك القناة تعيث فسادا وافسادا في ارض مصر واكتفي التليفزيون المصري بنقل اخبار المسئولين فقط! اعود الي الزملاء المصريين الذين يعملون بالقناة منذ سنوات طويلة في كل مجالات العمل التليفزيوني الفضائي.. أين كنتم طوال هذه السنوات واين كانت مصريتكم عندما كانت القناة تذيع الفتنة في مصر وممارسة التضليل واذاعة صور قديمة للرأي العام المصري لتضليله وغير ذلك كثير من المغالطات غير اخلاقية او مهنية او حيادية وموقفها ضد ارادة الشعب المصري.