علمتني الدنيا أنه لا شيء بلا مقابل وأن الأسعار تتغير كل يوم طبقا لقوانين العرض والطلب . وفي الساحة السياسية أيضا هناك بائع ومشتري وهناك مكسب وخسارة وهناك ثمن يدفع مع كل قرار لك أو عليك خصماً من رصيدك . ولا أعلم فيما قرأت أو سمعت نظاماً فعل مثل ما فعل الإخوان المسلمون ، فقد باع الكثير ممن ساندوه وناصروه بأبخس الأثمان ، وفرط في الأكثريين من جموع المتعاطفين معه بلا مقابل ، ولم يكتف بذلك بل اشتري عداوة العديد من طوائف المجتمع خصماً من رصيده ، وها هو اليوم يدفع فاتورة هذه العداوات . ماذا كسب الإخوان من إغضاب التيار السلفي وهم أقرب الحلفاء لهم ، وأكثرهم دعما لهم علي الأرض ، وما هي الفائدة التي عادت إليهم من جراء التعامل معهم بهذا الصلف والتعالي . وماذا ربح الإخوان من بيع أحلام التيار الإسلامي العريض الذي كان يأمل في رفع راية الإسلام بالعدل والحق والقانون ، ومعامله الناس باللين كما أمر الله نبيه (صلي الله عليه وسلم) " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَي اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" ) (آل عمران154) ولكنه التعنت مع الخصوم ، والتشدد في غير موضعه ، والتشبث بالسلطة لذاتها ولصالح فئة قليلة ، فتبخرت أحلام الحالمين بنموذج إسلامي مستنير ، يتعلم منه الغرب قبل الشرق كيف يكون الحكم لله وبما انزل الله . ولم أعلم في حياتي من تفنن في زراعة العداوات مثلما فعل نظام الإخوان ،دون تقدير للثمن المطلوب لهذةه العداوة. فقد خاصم الأزهر - دون مبرر - وهو منارة المسلمين في الأرض وعلي طول العصور ، وكان كل ما يسعي اليه هو تطويع هذه المؤسسة العريقة المستقلة. كما حاول شراء رضاء الكنيسة ببعض الكلمات - في استخفاف واضح - دون تقديم ثمن حقيقي لكسب اصوات المسيحيين . تم قام بإلقاء الأحجار علي السلطة القضائية دون وعي، أو إداك ، أو حتي انتقاء لمن يهاجم ،والأدهي انه قام بذلك دون دراية بفداحة الثمن الذي سيدفعه نظام الإخوان ، وقد ندفعه جميعا ً كمجتمع فقد جعل القضاء طرفا في المعادلة السياسية وما أفدحه من ثمن . ولم يكتف الإخوان بالقضاء ولكنهم حاولوا تقليم أظافر الجيش والشرطة ولكنهم لم يفلحوا ابداً فقد كشر الليث عن أنيابه حين اقتربوا من عرينه، وتعدت أساليب الاستعداء نطاق الوطن إلي خارج الحدود فخسرنا من الأصدقاء من دول الخليج أكثر مما كسبنا من ود أمريكا وإسرائيل . وانقسم المجتمع المصري انقساما مروعا حتي تناحر في كل بيت مؤيدون ومعارضون ،ولكن بعد أن زادت المعارضة إلي هذا الحد كان يجب علي الرئاسة إعادة حسابات المكسب والخسارة وأن تدرك أن هناك ثمنا يجب أن يدفع للم شمل المصريين ، ولكن للأسف الشديد أراد الإخوان كسب كل شئ دون مقابل ، وفي حالة من الأمية السياسية والاقتصادية لم يستطيعوا قراءة المشهد السياسي ولم يقبلوا الحلول المطروحة الواحد تلو الآخر حتي وصلنا إلي ما وصلنا إليه . والآن وبعد أن اقترب رصيد الإخوان بل ورصيد الإسلام السياسي إلي أدني مستوي أرجو مخلصا أن يتمسكوا بالفرصة الأخيرة بنبذ العنف والعودة إلي النشاط السياسي السلمي، فما لايدرك كله لايترك كله، والرصيد به مايسمح بالدخول مرة أخري في البورصة السياسية . فها هو سعر اليوم الذي أرجو من الإخوان والتيار الإسلامي قبوله قبل أن يصبح سعر الغد خارج حدود الاستطاعة .