النظام السورى فى أزمة. ولديه طريقة واحدة جربها من قبل لحل أزماته، إشعال المنطقة، مرة عن طريق حزب الله، ومرة عن طريق فتح الإسلام، ومرة عن طريق جيش الإسلام، ومرات عن طريق تفجيرات فى العراق. نتنياهو فى أزمة. خطط التقشف قلبت عليه قطاعا من ناخبيه التقليديين، فاشتركوا مع خصومه فى احتجاجات ضده. والسياسيون الإسرائيليون، لا سيما اليمينيون منهم، لديهم مخرج واحد من أزماتهم. أن يتعرض بلدهم لهجوم، فيتمادون فى الرد عليه ويحولون العملية إلى حرب. حين كنت أسمع أن مصالح الأنظمة المستبدة مرتبطة بمصالح المتشددين الإسرائيليين كنت أستعجب وأستغرب وأستهجن. هل يمكن أن يكون ممولو «المقاومة» على صلة بالمخابرات الإسرائيلية؟ ما هذا الهذيان؟ لكننى فهمت. ليسوا على صلة ولا يحزنون. إنما التقاء فى المصالح. التوتر يبرر بقاء المستبدين، ويعطى المتشددين الإسرائيليين فرصة لتوسيع قاعدتهم. غطيت حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله مراسلا ل«بى بى سى»، وأجريت حوارات مع مفكرين قوميين من اليمين الإسرائيلى. اختلفوا حول أمور كثيرة، لكنهم أجمعوا على شىء واحد. أن الديمقراطية فى العالم العربى ليست فى مصلحة إسرائيل، وأنهم لا يدعمون توجه الإدارة الأمريكية وقتها بنشر الديمقراطية. أحدهم قال لى بالحرف، «لقد عرفنا بشار ونستطيع التعامل معه، لكننا لا نعلم بمن ستأتينا الديمقراطية». حرب 2006 جاءت لإسرائيل بالقرار 1701 الذى أبعد حزب الله مرة أخرى إلى شمال نهر الليطانى (على الأقل رسميا)، حفظت الحدود الشمالية لإسرائيل بلا طلقة رصاص لمدة خمس سنوات، عزلت حزب الله عن محيطه الإسلامى القريب، سنة لبنان. هذا لإسرائيل. وهذه الحرب صرفت الأنظار عن سوريا وأبقت نظامها فى الحكم بعد الضغطة الدولية عليه إثر اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريرى، وبشار الأسد استخدمها انتصارا شخصيا (بعدها مباشرة ألقى خطبته الشهيرة التى وصف فيها إخوانه المستبدين العرب بأنهم أشباه رجال). هذا للنظام السورى. لكن الذى دفع الثمن 1200 مدنى لبنانى فقدوا أرواحهم. لقد كسب الاستبداد وكسبت إسرائيل من تلك الحرب (هناك خسائر استراتيجية لإسرائيل بسبب فشلها العسكرى، لكن هذا ليس محله الآن). مصالح إسرائيل ونظام الأسد تلاقت مرة ثانية، والبنادق التى للبيع جاهزة. لكن المختلف هذه المرة أنهما يريدان أن يحققا مكاسبهما على أرض مصرية. وهذا ما يجب أن ننتبه له. ماذا أعنى؟ أعنى أن الأداء السياسى للمجلس العسكرى والحكومة ليس جيدا على الإطلاق، هما أيضا فى أزمة. لكنهما فى أزمة عكسية. أزمة فرضت عليهما من الخارج ولم يفتعلاها كالآخرين لكى يحققا مكاسب. أسوأ ما يفعله المجلس العسكرى حاليا هو أن يحاول اقتناص الفرصة لإسكات من بالداخل. وأسوأ ما يفعله الداخل هو محاولة اقتناص الفرصة ل«التعليم» على المجلس، بما قد يدفعه لاتخاذ خطوة غير محسوبة. أفضل ما نفعله أن نتصرف كأمة واحدة لكى نحول الأزمة إلى مكسب.. كيف؟ مظاهراتنا ستظهر للعالم رفضنا الحقيقى للتعديات الإسرائيلية على حدودنا. ووعينا سيجعلنا نلتزم بالتعبير عن إصرارنا الصارم على حقوقنا لكن دون ارتكاب أفعال تحول موضوع المناقشة إلى نقطة أخرى (يعنى بالبلدى ما نعملش تصرف يضيع حقنا). وعلى المجلس العسكرى أن يحول هذا إلى ضغط سياسى، يضمن للدولة المصرية أن لا تنتهك حدودها فى المستقبل، ويتقصى العدل للمصريين الذين فقدوا أرواحهم، ويحافظ لزملائهم على أرواحهم وكرامتهم. لا بد أيضا أن يفهم الأسد ونظامه أننا بالديمقراطية قادرون على أن نكون أقوى وأكثر وعيا، وأننا لن ننجر إلى ردود الفعل سابقة التجهيز، بل إننا نفهمه، ولن نعطيه مخرجا من أزمته بتصعيد غير محسوب يشتت أنظار العالم عنه. ويجب أن يفهم نتنياهو أننا سنصر على ثمن سياسى لأرواح أبنائنا، وأننا لن نسمح له باستخدام دماء مصريين من أجل مكسب سياسى. يجب أن نضيف إلى فشله الداخلى فشلا خارجيا، وإلى شلل علاقته بتركيا شللا مع مصر.