اعترف في البداية أنني كنت مشفقا علي الدكتور أحمد زكي بدر عندما تولي مسئولية وزارة التربية والتعليم. انا اعرف هذا الرجل منذ سنوات.. واعرف عنه نشأته الجادة الصارمة بحكم كونه تربي في بيت واحد من أشد وزراء داخلية مصر صرامة وانضباطا وكرها للحال المايل. ولكن أن تكون صارما حازما علي رأس اجهزة الشرطة فهذا أمر جائز ومقبول لأن الشرطة مازال فيها قدر من الالتزام والانضباط.. ولكن مع أجهزة التعليم في مصر فهذا شيء أقرب للمستحيل. لقد عاشت كل اجهزة التعليم في مصر في عالم آخر. فلم تعد هناك تربية ولم يعد هناك تعليم.. لم تعد هناك مدارس أصلا بعد أن تحولت الي مبان قبيحة المنظر.. أبيحة الاخلاق. لانظار ولا مدرسين ولا تلاميذ.. وانتقلت العملية التعليمية الحقيقية الي البيوت.. درس خصوصي مع كباية شاي وقطعة كيك.. أو إلي حجرات ضيقة مكدسة بالتلاميذ في اوكار أو مغارات نطلق عليها اسم »السنتر«. ماذا تفعل يا أبو حميد في كل هذا.. طبعا هم ثقيل.. ومسئولية جسيمة.. زادت تعقيدا بعد أن استقال عدد من كبار مساعدي الوزير السابق.. وشبهني ما حدث في الوزارة في الاسبوع الأول بما حدث مع الرئيس الراحل أنور السادات بعد توليه السلطة.. محاولة إحراج للوزير.. وإحداث فراغ إداري.. وتصوير الوزير علي انه مرفوض من الوزارة ومكروه من العاملين فيها.. وبالتالي فإن أيامه علي الكرسي معدودة. تعود المصريون علي التواكل والتراخي والكسل.. واستحسنوا الحياة علي الكيف بلا قانون أو لوائح أو حتي قيم وتقاليد.. وهذه دائما نتيجة اختيار الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب. صعب أن تجد الآن موظفا عاما أو حتي خاصا يخدم بجد.. يحب شغله بجد.. يعمل بلقمة عيشه بجد.. لذلك لا يوجد انتاج.. وبالتالي لا يوجد دخل.. وبعد ذلك لا توجد مرتبات.. لا توجد مدرسة أو أي مصلحة حكومية نظيفة.. الناس شايفة كل ده وساكته.. وراضية.. وأصبحنا لا نعرف هل الحكومة هي المسئولة التي تركت الحال يصل الي هذا المستوي. أم ان الناس هي المسئولة عما وصلوا اليه ووصلت إليه حكومتهم. لكن الحقيقة ان الدكتور أحمد زكي بدر اعجبني عندما سار في طريقه شجاعا ولم يهتم بالاستقالات الجماعية.. واعجبني كلما أصدر قرارا جريئا باقالة مسئولي تطوير التعليم لأنهم الفوا كتبا دراسية لناشرين خارج الوزارة.. وأعجبني جدا لقراراته الصارمة عندما فاجأ مدرسة في حلوان وجدها في حالة سيئة.. اسف حالة عادية مثل كل المدارس.. فنقل مديرها و89 مدرسا وإداريا وعاملا وأنهي تعاقد 31 مدرسا وفصل تلميذا. واعتقد انه لو زار أي مدرسة بصورة مفاجئة حقيقية وليست تليفزيونية لأخذ قرارا بفصل كل النظار والمدرسين والطلبة ايضا. حتي تعود التربية ويعود التعليم.. نحن في حاجة الي عودة الإنضباط.. وعودة الإنضباط في حاجة الي مسئولين مثل أحمد زكي بدر.