حين يعاني الانسان آلاما في احد اعضاء جسمه أو اختلالا في اداء بعض وظائفه، أو اعراضا غير طبيعية، فالقرار المنطقي ان يستشير الطبيب المختص، لكن هناك من يلجأ الي اقرب صيدلي، وهناك من يعتمد علي احدي الوصفات الشعبية المتوارثة التي يكون العطار مصدرها! وفي معظم الاحوال فإن التشخيص اياً كان القائم عليه يقود الي تحديد مرض بعينه، ومن ثم وصف العلاج اللازم، والذي عادة مايكون مناسبا في ذات الوقت للآلاف، وربما الملايين ممن يعانون نفس الاعراض! ثمة من يري اننا علي مشارف انقلاب، وان هذا المشهد سوف يكون في وقت غير بعيد اقرب الي الفلكلور، والفضل سيعود في رسم ملامح العلاقة المستقبلية بين المريض والطبيب والدواء الي مايمكن وصفه ب »عصر طب الفرد«. حينذاك سيختلف العلاج الذي يتلقاه المرضي بنفس الاعراض، ليحظي كل مريض بنظام علاجي متميز عن الآخرين، لسبب بسيط: ان الثورة التي شهدتها البشرية في مجال الاكتشافات الچينية، خاصة بعد انجاز مشروع الاطلس الوراثي، اكدت اهمية الفروق الچينية بين انسان وآخر، رغم انها لاتتجاوز نسبة 1٪ مع اتحاد كل البشر في 99٪ في الچينات التي يحملونها! هامش ال 1٪ الذي كشف عنه مشروع الچينيوم حدد نحو 01 ملايين من قواعد الحمض النووي »دي.إن.إيه« تختلف بين الأفراد، ومن ثم تختلف المخاطر عند الإصابة بنفس المرض، وبالتالي فإن علي الطبيب مواجهة الموقف من مريض لاخر ب »روشتة« مختلفة، ليترجم عمليا النتيجة التي انتهت اليها احدث الابحاث مؤكدة انه مهما كان النظام العلاجي ناجعاً بشكل عام، إلا أنه لا يؤدي وظيفته العلاجية للجميع بنفس الكفاءة، ومن ثم يجب »تفصيل« علاج فردي، تماما كما هو الحال عند ادخال بعض التعديلات علي المقاس الواحد من زي معين ، ليناسب الفروق الدقيقة للمشترين، والتي لاتتجاوز كون المشتري اطول ببضعة سنتيمترات مثلا! الآن يستطيع القادرون رسم خرائطهم الچينية، بتكلفة باهظة نسبيا، لكنها تمثل »خارطة طريق« تحدد مبكرا ليس فقط المخاطر الصحية والاضطرابات المحتملة، ولكن ايضا قدرات الجسد علي التصدي لنوع ما من العدوي، وتحمل الاثار الجانبية لاحد العقاقير ، بل وحتي التعامل بكفاءة مع العناصر الغذائية، الامر الذي يساعد الطبيب الي حد بعيد علي »تفصيل« نظام علاجي مناسب تماما لهذا المريض. لكن ماذا عن غير القادرين؟ ثمة اختبارات چينية متاحة، وفي متناول الكثيرين ، تتيح التعرف علي انماط الچينات المختلفة المسببة لبعض الامراض، خاصة الوراثي منها، ورغم ان هذا النوع من الاختبارات لايزعم الاطباء انها بلاعواقب ، فضلا عن محدودية نتائجها، الا انها الي جانب عوامل اخري- كالوراثة- تساهم في حالات عدة برسم نظم علاجية اكثر دقة. ولعل مايمثل اختراقا مثيرا في سياق قريب يتبدي فيما يذهب اليه عالم الاحياء الالماني يورج بليش حيث يؤكد ان الجينات ليست قدرا محتوما، بل انه يمكن التأثير في المورثات الچينية لاي انسان، ومن ثم التحكم بدرجة اكبر في حياته. ويؤسس بليش رؤيته علي ان الچينات ليست جامدة او ثابتة، ولكن يمكن توجيهها في جسم الانسان، وهو فرع جديد من علوم الاحياء يتخصص في دراسة مايطرأ من تغيرات علي الصفات الوراثية للخلايا، وهذا العلم الذي يسجل قفزات هائلة سوف يخدم- في المحصلة النهائية- هدف الاقتراب بسرعة اكبر من عصر »طب الفرد«.