دعت بعض قوي المعارضة الوطنية، إلي الاحتشاد والتظاهر يوم الثلاثين من هذا الشهر، تحت شعار "تمرد"، رغبةً في عدم استكمال رئيس الجمهورية لمدته الرئاسية ومطالبته باجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لأسبابٍ عديدة تراها من وجهة نظرها قد انتقصت من شرعية بقائه، وهو ما حاولت تأكيده بحملة جمع توقيعات عدة ملايين من المصريين المؤيدين لذلك. علي جانبٍ آخر، فمن المتوقع أن يبادر التيار المؤيد لنظام الحكم وتحت شعار "تجرد"، إلي الدعوة للاحتشاد و التظاهر في نفس التوقيت لمناصرة السيد الرئيس واظهار شعبيته وإقرار شرعية استمراره. وأعتقد أن كلا الطرفين، إنما يهدف في المقام الأول، إلي توجيه رسالة محددة إلي الخارج، وعلي وجه التحديد إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول أوروبا الغربية، بحسبانها الفاعل الحقيقي والمحرك الرئيسي لكل ما شهدته المنطقة العربية من أحداث منذ مطلع عام 2011 وحتي الآن. ومفاد رسالة الفريق الأول أن هذا النظام الذي دعمتموه وأوصلتموه إلي الحكم، لا يمثل أصلاً أغلبية الشعب المصري ولا يعبر عن أطيافه المختلفة ولن يحقق آماله المنشودة، فضاق به ذرعاً وتمرد عليه. وأما مفاد رسالة الفريق الثاني فهي إظهار شعبية الرئيس وقوة أركانه الداعمة المتمثلة في حزبه السياسي وجماعته الإخوانية وعشيرته الموالية، وأنه لا تثريب علي من آزروه للوصول إلي الحكم، كما أنه لا محيص من استمرار دعمهم له. نأتي إلي وزارة الداخلية ودورها في ذلك اليوم الموعود، ومسئوليتها التي ستتحملها في كل الظروف، رغم اعتقادي أنها حتي الآن لا تملك الصلاحية ولا القدرة علي أن تعترض - مجرد اعتراضٍ فقط - علي أي تظاهرة قد يسيّرها أيُ فصيلٍ شعبي وقتما وأينما وكيفما يشاء. ولا شك في أن وزارة الداخلية تجري استعداداتها لهذا اليوم بكل الاهتمام والحذر والترقب، في ضوء مساندةٍ مستبعدةٍ من القوات المسلحة لأسباب واعتباراتٍ عديدة، إلا أنني أتمني قبل كل شيء أن تضع في اعتبارها تلك الرسائل التي أشرت إليها وأن تدرك فحواها جيداً واحتمالات تنامي الأحداث بناءً عليها. ثم يجب ألا يغيب عنها، أن كل التظاهرات في مصر، تنطوي دائماً علي أعمال عنف وتخريب مقصودة لذاتها، كآلية.صارت - للأسف الشديد - متعارفاً عليها لتحقيق الأهداف السياسية للفصائل المختلفة، رغم تنصل الجميع منها وإلصاقها بالمجهول المسمي بالبلطجية والمندسين وما إلي ذلك. ومن ثَمَّ يجب علي أجهزة الشرطة دراسة كل الأهداف المحتمل الاعتداء عليها وكيفية التحرك إليها، ووضع خطتها المناسبة للتصدي بكل الحسم والقوة لمثل تلك الأعمال التخريبية أياً ما يكون القائم بها وأياً ما تكون التضحيات. وأري أن يبادر السيد وزير الداخلية بتحديد الأماكن التي يمكن أن يجتمع بها كل فصيل للتعبير عن رأيه، وأن يتم إعلان هذا التحديد إعلامياً وشخصياً لكل رموز الحركة الوطنية، لاسباغ مزيد من الشفافية علي أي اجراءات أمنية قد تتخذ، مع الحذر التام من الانزلاق إلي المواجهة مع فصيل ضد فصيل آخر من المواطنين، وإنما يجب الحرص علي تساوي المسافة مع كل الفصائل ووحدة التصرف حيالها جميعاً، مع مراعاة إجهاض محاولة أي فصيل للاحتكاك بالفصيل الآخر. تبقي كلمة أخيرة لوزارة الداخلية، بأن يكون استعدادها لهذا اليوم، استعداداً كيفياً وليس كمياً، حتي لا تستنزف قواها وتتمكن من أداء واجبها لفترة قد لا تقتصر علي يوم واحد وإنما قد تمتد لأيام عديدة، وفي كل الأحوال نثق في قدرة رجال الشرطة علي ضبط النفس الواجب إلي أقصي درجة، فقد تعلموا ذلك جيداً من معطيات المنطق ودروس التاريخ. حفظ الله مصرنا الغالية، وهدانا جميعاً سواء السبيل.