يبدو أننا شعب عاق لعلمائه، فقد مرت ذكري وفاة الشيخ المناضل محمد الغزالي في شهر مارس دون أن يتذكره إعلامنا الشامخ ولم تفرد له صفحات الجرائد ولا قنوات التليفزيون، وكأنه صدق فيه قول الرسول »إن لله رجالا إذا حضروا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفتقدوا »مع أن ذكراه وتذكره لن تضيف له شيئا ولكن تضيف لنا نحن. أحسست بالذنب عندما تذكرت الشيخ الغزالي وأنا أتابع أخبار وفاعليات مهرجان الجنادرية الثقافي والذي كان شيخنا أحد فرسانه ولقي ربه أثناء فعالياته وهو يجهز للرد علي أحد ضيوف المهرجان لقد مات مناضلا مدافعا عن الإسلام ووسطيته وعدله وحين فتشوا جيوبه وجدوا وصية مكتوبة أن يدفن في البقيع بجوار الصحابة وكان له ما أراد.. كان الشيخ ممن أحسنوا فهم الإسلام ووقف بالمرصاد لكل المتنطعين والمتشددين فقد دعي ذات مرة في الخمسينات الي احد الاعراس لكبير قوم وهو في الطريق رأي الفلاحين الغلابة وعمال الترحيلة وكيف يعانون ويعملون بالسخرة في الإقطاعيات وسمع أحدهم يغني »غريب وابيت فين« فتفطر قلبه وقال كيف تكون غريبا يا ولدي وأنت في بلدك وحين وصل الي العرس وجد مائدة عامرة من عرق هؤلاء الغلابة وعليها مالذ وطاب.. وقد تصدر المائدة شيخ القرية ومأذونها ممثلين للجانب الديني وعندما علا صوت المذياع بأغنية أحمر وجه شيخ القرية وقال وكأنه في غزوة مدافعا عن الإسلام الغناء حرام واسألوا الشيخ محمد فتوجه القوم الي الشيخ محمد فقال لهم وهو مازال منشغلا بما رآه في الطريق من فقر وبؤس »هكذا أنتم ايها المسلمون تسألون عما يخدش أظافر الإسلام ولا تسألون عما يدق عنقه« ورفض الجلوس الي الوليمة. المسلمون كلهم يحتاجون الي فهم الدين كما فهمه الشيخ الغزالي حتي يرتفع شأنهم ولا يقفون عند سفساف الأمور وهذه ليست دعوة للتساهل كما يقول الشيخ ولكن هناك فقه الأولويات. للشيخ تراث عظيم وسطي مستنير لماذا لا نستعين به في مناهجنا الدراسية حتي نعلم ابناءنا الوسطية والاعتدال ولا نكون عاقين لعلمائنا.