في القرن الماضي ألف شاعر العامية العبقري بيرم التونسي أغنية »محلاها عيشة الفلاح« ليتغني بها محمد عبد الوهاب.. وفيها يحسد الفلاح علي عيشته.. فهو مرتاح ومطمئن القلب.. يتمرغ علي أرضه ويأكل من خيرها.. ويصوره وكأنه يعيش في جنة الرضوان! حتي نهاية الستينات من القرن الماضي كان من الممكن أن يروي الفلاح ارضه »بالراحة« بعيداً عن استخدام الساقية التي كانت منتشرة في ذلك الوقت لتوافر المياه في الترع.. بل كنا ونحن صغار نصطاد السمك من الترع سواء بالسنارة أو بالشبكة الصغيرة.. لان المياه كانت صافية ومتوافرة.. ولم يكن التلوث يعرف طريقه إليها. قديماً كانت كراكات وزارة الري تجوب الترع والمصارف لعمل الصيانة اللازمة وتقضي علي النباتات والنفايات التي تعوق سريان المياه.. أما الآن فقد تحولت إلي بؤر للتلوث والأمراض.. بعد ان أصبحت مأوي للصرف الصحي.. ووصل معدل الفشل الكلوي والكبدي مداه بين المصريين وبدلاً من ضخ المياه إلي الترع ليروي الفلاح أرضه اصبحت تضخ إلي ملاعب الجولف والمزارع الخاصة المنتشرة في انحاء الجمهورية. قديما كانت أعياد الفلاح كثيرة.. ولكن أهمها كان موسم جني القطن.. الذي كان يمثل العيد الأكبر له.. فمن خلاله كان يجدد منزله ويزوج أولاده ويوفر نفقات الحج إلي بيت الله.. أما الآن.. فقد تبدلت الأحوال.. وفقد القطن المصري بريقه وهرب الفلاح من زراعته.. لأنه لا يجد من يشتريه. واصبحت التكلفة أعلي من الحصاد.. إنها معادلة صعبة. قديماً كان الفلاح يستخدم قوته في العمل.. وكان كل شيء يدويا.. بدءاً من حرث الأرض وزراعتها.. حتي الحصاد.. وكان الجمل والبقرة يده اليمني.. لما لهما من قوة وتحمل.. أما الآن فقد تغير الوضع.. ضعف الفلاح وأصبح جسده واهنا من شدة الأمراض التي تفتك به نتيجة التلوث الذي يحيط به من كل اتجاه.. واتجه الي استخدام ماكينة الري والجرار الزراعي.. لمساعدته.. ولكن ارتفاع السولار.. جعله في حيرة من أمره.. كيف يوفر الخدمات والسماد لأرضه.. وهو لا يملك المال اللازم؟ إنها معادلة صعبة. قبل الختام: الفلاح المصري.. يموت كل يوم عدة مرات.. فهو يعاني ويصرخ ولا يجد من ينقذه.. والحكومة بعيدة عنه.. لا يهمها أمره.. فهي مهمومة بالاستمرار في الحكم.. مهما كانت النتائج.. أما الفلاح فعليه أن يختار إما أن يصارع مع أرضه دون الاعتماد علي أحد.. أو أن يتركها جرداء.. صحراء وليت الفنان محمد عبد الوهاب موجود الآن ليغير أغنيته الشهيرة محلاها عيشة الفلاح إلي مأساها عيشة الفلاح.