يصف علماء الاجتماع الإنسان المصري بأنه متفائل دائما، الابتسامة لا تفارق وجهه، ابن نكته، لاذع السخرية، مسالم، محب للآخرين، مضياف، ولما لا وهو ابن حضارة قديمة قدمت للعالم نور العلم والايمان وفجرت الضمير الانساني وهو الحارس علي القيم والأخلاق؟ الانسان المصري يتمتع بهذه الصفات فعلا ومع ذلك فقد غيرت الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية طبيعة المصري الجميلة المتحضرة، وبخاصة الظروف السياسية بعد الثورة واصبحنا نجد المصري إنسانا آخر، اختفت الابتسامة الدائمة، تحولت البشاشة الي وجوم وتجهم، تحول المصري من مسالم الي معتد، وياليت الاعتداء يكون بمجرد الضرب أو القذف أو الإهانة بل بالقتل الفوري العمد، ومع سبق الإصرار!. أي والله القتل الفوري العمد لمجرد إساءة بسيطة أو حتي تهكم وهزار بين الشباب، والمطلع علي صحافة مصر في الأيام الاخيرة يجد العجب العجاب في هذا المجال ويقرأ عن حوادث قتل يشيب لها الوجدان وتنتفض لها حكومات العالم.. فهذا شاب يمشي مع كلبه فيستهزئ به احد المارة ويكون رد الفعل الفوري ان يذبح صاحب الكلب من استهزأ به علي الفور! هذه حالة ذبح في الشارع وأمام المارة لمجرد تهكم بسيط!. وهذا صبي يبلغ من العمر خمس عشرة سنة، أي انه في عمر الزهور، يقتل صديقته 21 سنة في شقتها!. وذاك شقيق يحاول ان يغتصب شقيقته وعندما رفضت قتلها في الحال!.. وحادث آخر تحت عنوان: يقتلان والدهما اعتقادا انه تزوج بأخري!.. ولم تخل الحوادث من بعض الهوس الديني، فهذا متشدد دينيا وراء مقتل فني تركيبات خلال جلوسه بجوار طالبة! والمفروض ان نقول جاهل دينيا لا متشدد، فهناك فرق بين الجهل والتشدد. والقتل اصبح سهلا وجماعيا ايضا وليس فرديا واقرأ معي هذا المناشيت.. مقتل عجوز بدمياط وزوجته وطفلها في ظروف غامضة! واصبح القتل في كل مكان وفي وضح النهار.. مجند يصاب بالرصاص ويقتل في الحال وهو بين زملائه! لم يكتف بعض القتلة بالقتل بل تمادوا في اجرامهم ومثلوا بجثث القتلي.. العثور علي جثة متفحمة داخل مقلب زبالة في قنا!.. كشف غموض العثور علي شاب مذبوحا بالهرم.. وغير ذلك كثير جدا، اصبح القتل موضة ولأبسط الاسباب، اصبح ذبح الإنسان اسهل من ذبح الفرخة أو البطة! تحولت وتغيرت اخلاق المصريين فاختفت الجدعنة والرجولة والشهامة واصبح القتل والتدمير والتخريب والاساءة للآخرين شعار المرحلة..اشعر أنني اعيش في تجمع حيواني وليس مجتمع انساني!. تحولت الرحمة الي قسوة، والحب إلي كراهية، والأمانة الي خيانة، وفقدنا اطهر واجمل العلاقات الانسانية من ابوة وأمومة واخوة، الكل اعداء الكل، مصلحتي وحياتي انا فقط، ليحترق العالم كله وأبقي أنا!. هذه الردة الحضارية والاخلاقية القاسية لها اسبابها الكثيرة المتشعبة من فقر وجهل ومرض وعشوائيات يشعر فيها الإنسان وكأنه حيوان يعيش في العراء، بل يعيش في القبور دون أدني احساس بإنسانيته وضرورة توفير المسكن والحياة اللائقة به كأنسان، المرض يفترس حياة الناس ويتحول إلي وباء مثل فيرس سي والفشل الكلوي والكبدي، مرض بلا دواء وموتي بلا قبور. وجوعي بلا خبز الحياة وغلاء الاسعار يدفع الناس الي النوم بلا عشاء وبلا دواء فإن الغلاء منع الحياة عن الناس، ولم تعد الطبقة الوسطي موجودة بل انضمت الي الطبقة الدنيا الفقيرة المعدمة، واصبح اكثر من ستين في المائة من الشعب المصري تحت خط الفقر يعاني من كل شيء في حياته!.. تغيرت اخلاق المصريين وتحولت سعادتهم الي تعاسة وبؤس ومرارة واصبح شعار معظمهم القتل السهل الذي ينتج عنه المستقبل الصعب المظلم المتخلف!. لكننا لا يمكن الاستسلام لهذه الهجمة والردة الحضارية الاخلاقية بسهولة بل لابد ان يهب المجتمع المصري كله عن بكرة أبيه ويرفض هذا السلوك المشين، يرفض القتل السهل والتدمير والتخريب، ويبحث عن المستقبل الصعب ليجعله سهلا مشرقا واعدا يعيد للانسان المصري بشاشته وضحكته ونكتته الساخرة وحبه للحياة والعمل من اجل مستقبل افضل يجد فيه كل فرد غايته من حياة كريمة، مدرسة للتعليم حقا، ومستشفي به الدواء والعلاج الحقيقي ليس الوهمي، ووظيفة تنتظر كل قادر علي العمل حتي يأخذ دوره في الحياة ويتزوج وتستمر الحياة، ونقضي علي ظاهرة العنوسة البغيضة- 9 ملايين عانس في مصر- يجب ان تعود المصانع للعمل والانتاج، ويعود كل مواطن الي عمله بحب ورغبة في الافضل والحياة الكريمة، وهذا ليس صعبا وبخاصة انه كما يقول علماء الغرب ان الانسان المصري يحمل جينات حضارية وهي موجودة تحت جلده، انها شهادة للمصريين حقيقية، لكن لن يحدث هذا الا اذا هب المجتمع كله ضد الحوادث والقتل، الأب والأم والتربية السليمة، القدوة الحسنة، رجل الدين في المسجد والكنيسة، المعلم في المدرسة، الإعلام الايجابي والمساهمة الحقيقية في بناء الفرد المهذب المؤمن بالقيم الأخلاقية، مراكز الشباب والأخلاق، ملاعب الكرة والروح الرياضية الحقيقية، اقسام الاجتماع وكليات التربية.. أما الحكومة فعليها ان توفر الحياة الكريمة بكل عناصرها لكل مواطن وتدفعه الي عدم التعصب لتخلق منه الانسان السوي الشخصية الذي تتشرف به مصر في المستقبل. كاتب هذه السطور متفائل بالانسان المصري صاحب الحضارة التليدة ان يعود لرشده ويعيش في مجتمع انساني يظلله الحب والتراحم والعطاء والشهامة التي تميز بها عبر السنين.