لماذا انهارت القيم وباتت مفردات لاتتعدى حدودها دروس الدين وقصائد الشعر ومراجع الكتب ، لماذا انهارت الأخلاق التى أصبح الكل يتشدق بها خاصة بعد الثورة المجيدة ويحاولون فرضها ويسعىون لتطبيقها من خلال أحزاب دينية فرضت وجودها على الساحة السياسية ، والحقيقة أن الأخلاق والقيم مشاعر داخلىة تتغلغل فى الإنسان بوازع من ضميره ، والضمير ينبع من تعاليم الأديان السمحة فجميعها يدعو الى المحبة والرحمة وإحترام الإنسان ، تدعو الى الخير وتنبذ العنف والشر الذى يتنازع الإنسان هكذا خلق الله كل بنى آدم ، الضمير الحى وإعمال العقل يمنعانه من إرتكاب كل مايخالف تلك التعاليم والقوانين والأعراف المجتمعية والحقيقة أننا لو حاولنا إلقاء نظرة عامة على الشارع المصرى سوف نلاحظ تغييرا جذريا ليس فى السلوك العام بل فى المظهر أيضا ، أطلق الرجال لحاهم وارتدوا الجلباب والعباءة ، والنسوة إنتقبن وأصبحنا نشاهد العباءة الخليجية بكثرة كرداءدخيل على المصريات ، المسيحيات مازلن يتمسكن بأردية لم تعد تتناسب مع الجو العام وللإنصاف فإن البعض منهن بعيدات عن الإحتشام فالملابس الضيقة والقصيرة والقمصان العارية الأكمام فى الوقت الذى تتدلى فيه من صدورهن الصلبان من منطلق أن الأخلاق تنطلق من الداخل وليس بالملابس وحدها نقيّم الإنسان ، وكأننا فى صراع كل فئة تسعى لإثبات هويتها الدينية من خلال مظاهر شكلية تفرق بين المسلمين والأقباط ، إن الواقع الذى نعيشه يزداد مرارة يوم بعد يوم ، فكم الإجرام فاق كل التصورات ، الشراسة والغلظة تميز نبرات الأصوات الغل والحقد يطل من المآقى ، والعيون سهام تخترق الأفئدة التى مازالت تحتفظ ببعض سلامها واتساقها مع أنفسها ، الشارع المصرى أصبع مرتعا لكل الموبقات ، جميع أنواع المخدرات ، سرقات فى وضح النهار ، تهريب للأسلحة الثقيلة والخفيفة ، مصانع تقوم بتصنيعها داخليا ، خطف البشر للحصول على الفدية ، ومازال مسلسل تثبيت السائقين على الطرق وسرقة السيارات مسلسلا قميئا ، الإغتصاب زادت معدلاته بشكل مخيف ومنذ يومين كان هناك أحد العاطلين الذين هم باغتصاب طفلة لم يتعد عمرها العامين ليتركها سابحة فى دمائها بين الحياة والموت ، أى وحشية وأى إفتراس مايشهده المجتمع المصرى الآن ؟ أما ما يدمى القلوب ويهز عرش السماوات والأرض ذلك التعدى على الآباء والأمهات بالقتل ، جريمتان ارتكبا فى آن واحد شاب يطلق النار على أبوه المسن الذى عنفه على حرقه وإتلافه لطاحونة يمتلكونها ، وشقيقان قاما بذبح أمهما بطعنها بالسكاكين وهى تغط فى نوم عميق لخلافهما معها على الميراث ، فهل أصبحنا وحوشا كاسرة تلتهم الوالدين وفلذات الأكباد ؟ لماذا ماتت المروءة والنخوة والشهامة التى كانت أهم مايميزنا كمصريين تعلمنا من النيل كيف يكون الوفاء ؟ لماذا إختفى (الإبن الحتة ) الغيور على عرضه وناسه ؟ لماذا تحول الى الذئب الذى تهرب منه الحملان ؟ لماذا نلقى دائما باللوم على حالات الفقر والعوز ؟ إن الإجرام لم يعد قاصرا على البلطجية وأرباب السجون ، بل تعداه ليشمل ذوى الدخل المرتفع والشهادات المرموقة ، ظلمنا ثورة التحرير الطاهرة التى أشعلها الشباب فى الميدان منادين بالحرية والكرامة فسقطوا صرعى برصاص الخائنين الذين تم تكليفهم بإجهاضها فى مهدها ، لكنهم فشلوا ومازالت الثورة مستمرة ، قال البعض العيب فى الثورة ، ولم تكن تلك المقولة هى الحقيقة ، الحقيقة أن الثورة تهذيب وتصحيح للأخطاء ، الثورة قامت من أجل تحقيق آفاق عيش أفضل ، يموت البعض تضحية من أجل آخرين يحيون بعزة وإباء ، إذن ماذا تبدل فى المصريين حتى أصبحنا غير متأكدين أننا نعيش على تلك الأرض الطيبة الحبلى دوما بالإعجاز والإنجاز وبالأضواء الوردية ؟ مصر مهد الديانات التى تقابل على أرضها الخير والسلام ، الأرض التى أنجبت أعلاما هم فخر لمصر على مدى تاريخها العريق ماذا دهانا حتى صرنا بلا وعى نتخبط ولانهتز للجرائم النكراء فأصبح كل منا يسير فى طريقه منفردا بعيدا على سائر الجموع ، يعتقد أن الصواب أصبح حكرا عليه وأنه الوحيد الملم بالحقيقة لايسمع إلا نفسه يتبع أهواءه ، ماذا دهانا وسطوة الأنا باتت عنوانا يميز النخبة والمثقفين ؟ الحقد والغل طال الصغار من هول السم الذى يدسه الكبار فى النفوس البريئة ، وتلك هى المفردات ( أنت الأحسن ، إياك أن تترك زميلك يتفوق عليك إياك أن يغلبك أو يلهو بلعبتك ، لاتعط زميلك قلمك لو نسى مرة أدواته ، الحلوى من أجلك أنت لاتعط زميلك أيا منها ، وإن سألوك عن الدرس الخصوصى فلا تجب ، إياك والمسيحى لاتلعب معه ، وهذا مسلم لاتشاركه ، إعرف قيمة نفسك بفلوسك تفعل كل شئ ) هكذا النشئ منذ نعومة أظفاره يستقى من معين الكذب والكره والجحود مايلازمه حتى نهاية العمر بفضل آباء وأمهات عصر العولمة الذين يأخذون منه أسوء مافيه ، التدين تحول الى كلمات يتردد صداها فى دور العبادة ، والبرامج الدينية مفردات أفرغت من مضامينها فى الوقت الذى أقحمنا فيه الحلال والحرام كل مناحى حياتنا ، فمن أوصلنا الى الهاوية والجب السحيق ؟ من مسئول عن إنحدارنا الأخلاقى فتجبرنا وتشرذمنا وصرنا أعداء لأنفسنا ولأوطاننا ؟ نحتاج الى إعادة بناء منظومتنا الأخلاقية من جديد ، وكما نطالب بإعادة هيكلة كل مؤسساتنا بما يتلاءم وشعار المرحلة ، ليت القانون يعاد تغليظه ويتم تطبيقه بحزم وحسم ، ليصبح رادعا فيعتبر الناس ويختفى من حياتنا كل من تسول له نفسه قتل أبوه وأمه ، أو يغتصب ذات العامين