إن الذي فرح بالثورة هو من كان له تضررا مباشرا كما سأشرح ذلك وأما باقي الشعب فهو مثل عادة الشعب المصري الذي يريد الاستقرار والقول الذي يريد أن يردده دائما (اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعر فوش) وبذلك عشنا إما مغلوبين خلى أمرنا أو نرى الكوب مليئا بنصفه وليس فارغا من النصف: أن الطبقة التي كانت تعاني من الفقر المدقع أو الظلم الجائر بالقبض على أحد من أفراد أسرتها أو المقربين منها هم اللذين رحبوا وباركوا تلك الثورة أو بالمعنى الأدق الإفاقة التي انتابت الشعب ليلفظ الحكم الذي لا أجد كلمة مناسبة لوصفه. وقد يكونون هم الغالبية العظمى اللذين قاموا للثورة. لا أستطيع أن أقول أن الحكم كان ظالما فقط لأن في زمنه الحق ضاع وأيضا كان حكمافاسدا لأننا اكتشفنا أننا كنا نسرق وننهب بلا رحمة. وأيضا ذلك النظام الذي قام بالعمل لفناء الشعب المصري من الناحية الدينية أولا ثم الاجتماعية والأخلاقية ثانيا ثم الصحية والى آخره مما قام به الحاكم والأصح بالقول المتحكمون فينا. إن ذلك النظام قام بهدم الدين بداخل الشعب المصري حتى أننا أصبحنا نشكك في الأئمة الفقيهة ووجدنا أن حتى الأئمة أنفسهم ظهروا أمامنا ليختلفوا فى الآراء الفقهية التى جعلتنا ملتبسين ولا نعلم ما هو الصحيح أو الباطل . تلك الأئمة وللأسف قد اختلفوا إما للجهل فى تعاليم الدين نتيجة لانحدار التعليم بصفة عامة وأيضا الوهن الذى أصاب الضمير فى اختيار أئمة الإسلام وأعتقد أن ذلك كان لسبب من المتحكمين فينا ليقوموا بإفسادنا دينيا فنفسد اجتماعيا. إن الدين الاسلامى ينهى عن الفحشاء والمنكر وقد كان هذا المبدأ هو المبدأ الأساسي الذي أراد المتحكمين فينا محوه. أنهم جعلونا نختلف في ذلك المبدأ وكأنه لبس النقاب أو لا! هل الحجاب واجب شرعي أم فرض ديني ! وجعل المسلمين من الناس والأئمة يختلفون حتى أصبحت المرأة المنقبة ترى المحجبة أقل منها درجة في الإيمان بنظرة مزدرية وأما المحجبة فصارت تتباهى بشكل ولون حجابها بدون القيام بفرض الصلاة لمعظمهن. كأن معنى الفحشاء والمنكر هو النقاب والحجاب. ولم يقوموا الأئمة بالدعوى إلى نقاء القلب وصفاؤه من الحقد والعمل على التعاون وذلك بالبر والتقوى فى أداء الأعمال . فأصبحت الكراهية والحقد هما الفحشاء والمنكر وأصبحنا نرى الظاهر ولا نهتم بالباطن وعم ذلك على تصرفاتنا بصفة عامة حتى أننا نسينا أن الله ينظر إلى قلوبنا وهى الأهم. قد عم ذلك على جميع تصرفاتنا فى الحياة العامة والأخطر من ذلك فى الحياة الأسرية التي أصابها التفكك بعمل الأم الذي هو ضروري لإيجاد لقمة العيش والأخذ من الوقت اللازم لتربية أولادها على المبادئ الصحيحة التى تعلمتها من أمها و التي هى من الجيل القويم الذى حمل المبادئ المصرية الصميمة . وكان هذا أيضا من الأسباب التى أدت الى انهيار مجتمعنا المصري الأصيل حيث انقسمت الأسرة الى مجتمعين غريبين يعيشون فى منزل واحد تربطهما علاقة مادية بحتة وهى احتياج الأبناء للمادة اللازمة للمعيشة والحول عليها من الآباء. والأخطر مما سبق هو الشعور باستقلال المرأة والحصول على المادة اللازمة للمعيشة من عملها وشعورها أيضا بأن زوجها يحتاج لها من أجل المادة وبذلك أصبح الزوج صورة بالمنزل تستطيع الزوجة خلعها من المنزل بأبسط قانون سهل لها تلك العملية فانهارت علاقة المودة والرحمة المفروضة لإقامة الحياة الزوجية التى أقرها الله والدين. فزادت نسبة الطلاق وهذه من أهم العوامل التى قامت بالمساعدة فى انهيار المجتمع المصرى دينيا واجتماعيا واقتصاديا أيضا. فمن الناحية الدينية أصبحت المرأة تنظر لزوجها بعدم الأحترام الذي أقره الله وذلك بشعورها بأنها تمتلك القدرة على إيجاد المادة اللازمة للمعيشة، وأصبح التفكك الأسرى منتشراً لدرجة كبيرة فتربى الأبناء بين أبوين منفصلين أو حتى قد يتم الطلاق ويبقى الأبوين فى نفس المنزل وهى علاقة غريبة أيضا في شكلها حيث يراها الأبناء . وأما من الناحية الاقتصادية فأن الأب يضطر للعمل لفترات طويلة بعيدة عن المنزل لإيجاد إيرادا أفضل وقد يكون ذلك بأخذ فرص عمل لآخرين. إلى هنا سنتوقف إلى ما فعله المتحكمون فينا... ولنا باقية إن شاء الله ...