فى حفل تكريم فتحى سرور، حضره ممثلون عن الدول وسفراء ووزراء النظام السابق، ألقى أحد رؤساء مجلس وزراء مصر قصيدة شعر صور فيها سرور ب"الديك"، والشعب المصرى ب"الفرخة"، ولنا أن نتخيل العلاقة بينهما، ولا عجب أن يصف كلامه ب"المزيكا"، وأنه حتى "بتاع بوليتيكا" مادامت العملية كانت فى زمانهم "بوليكا". كان من شديد الأسف أن أبناء المحروسة هم من أهدروا كرامتها وأباحوا حرمتها وجعلوا من ثقافتها وتاريخها مهازل يندى لها الجبين.. أصبحنا نعيش فى عصر البهلونات و"الشيكا بيكا"، والكلام "الحلمنتيشى"، نعيش حالة من "الهرتلة" والفراغ الثقافى تنخر فى عقولنا كسوس النخل.. لا يهمنا أن يكون العقل خاويا بقدر ما يهمنا أن تكو ن البطون متخمة بما لذا وطاب، والبنوك بما نهب وهبش من حلال أو حرام.. لا فرق..!! أصبحنا نحرص على الحياة مهما كانت تفاهتها.. لا يهمنا أن نؤذى الآخر ما دُمنا فى سلام.. لا يهمنا أن نظلم ما دمنا فى أمان ونأخذ حقنا نهبا أو طواعية أو حتى تحت تهديد السلاح.. لا يهمنا أن ندنس النيل بأفعالنا وتصرفاتنا وهفواتنا وذنوبنا التى بلغت مداها ونحن نظن أننا رءوس العالم وأصحاب الحضارة، والحقيقة أننا صرنا أذناب الشعوب وأدناها.. لا يهمنا أن ندوس بأقدامنا فوق جثث الناس لنصعد لمنصب أو وظيفة أو حتى للحصول على رغيف خبز.. ماذا تنتظر يا سيدى من شعب دفن رأسه فى الرمال وقال "وأنا مالى.. ويا حيط دارينى.. وما دام بعيد عنى"، وألفاظ كثيرة زرعت فينا الوهن والضعف والكسل وكل أنواع الهوان.. ماذا تنتظر من شعب ضاع الحق بينهم.. ماذا تنتظر من شعب آثر السلامة ومشى فى سكة الندامة كما يقولون فى الأمثال.. ماذا تنتظر من شعب ظل يؤله الحكام حتى صاروا قابوسا يُجسم على صدورهم ويُكبلهم بتعاويز وطقوس جعلتهم عبيدا لهم؟ ماذا تنتظر من شعب تفرقه عصا ويجمعه "ربع جنيه".. ماذا تنتظر أن يكون حال الوطن وكل ما فيه أصبح غير صالح للاستخدام الآدمى حتى البشر.. ماذا تنتظر أن يكون حال الوطن وكل ما فيه أصبح فاسدا.. ماذا تنتظر من شعب تنازل عن كل حقوقه مقابل أن يعيش.. يعيش فقط ! وياليته عاش مثل باقى البشر؟! ماذا تنتظر من شعب ينام نصف يومه والنصف الباقى يقضيه أمام الدش والقنوات الإباحية.. ماذا تنتظر من شعب ضاع شبابه فى متاهات الفساد المنتشر فى كل شبر من أرض الوطن ؟! وكل يوم يحذر الخبراء من أن (ثورة الجياع) قادمة والحكومة لا تسمع، إن المصريين يتحملون الضغوط السياسية لكنهم لا يتحملون الجوع، وبرغم ذلك الحكومة لا تعيد حساباتها ولا تشعر بمعاناة المواطنين، ولا فائدة فيها..!!
أزمتنا يا سيدى.. أزمة أخلاق.. أزمة ضمير.. أزمة خوف من الآخر وتصويره على أنه بعبع.. أزمتنا أزمة تربية.. أزمة حب وانتماء للوطن لم تعد فينا ولا بيننا.. أزمتنا أزمة ذوق وأدب وحسن تعامل وتحمل مسئولية.. أزمتنا أزمة شباب فقد الأمل فى مستقبله، وفضل الجلوس على المقاهى والوقوف على نواصى الشوارع لمعاكسة البنات.. أزمتنا أزمة احترام.. فلم يعد الصغير يحترم الكبير، ولا الكبير يرحم الصغير.. عدنا لغابر الأزمان كالقطيع المنقاد بالعصى..!!
نحن يا سيدى بقايا مصريين.. بقايا بشر صنعوا أمجادا وحضارات.. لسنا مصر (طِيبة ) ولا (عين جالوت ) ولا (حطين) ولا (1919) ولا (1948) ولا (1952) ولا (1973).. نحن بقايا وطن.. بقايا شعب.. بقايا بشر كانوا فى يوم من الأيام أسياد العالم. هذا جزء من مقال نشرته فى 26 أبريل 2009 على مدونتى (المولد).. كتبته ردا على مقال للشاعر المحترم فاروق جويدة بنفس العنوان آسفا لحال مصر وقتها.. وحتى الآن لم يتغير شىء برغم قيام ثورة 25 يناير السلمية!! لحظة : ليس بالمال وحده يعيش الإنسان.. المزيد من مقالات على جاد