كنت ألهث وراء السطور وأنا أقرأ هذا الكتاب، ليس لأنه كتاب نادر ومفيد لكن بسبب آخر، هو شغفي وفضولي الشديد لفهم تلك البقعة شديدة التعقيد بالغة الخطورة بما تمثله من صراعات لها تأثيرها علي العالم والبشرية، لذلك لم أتردد في اتخاذ قرار النشر لكتاب »خلف الستار.. وجه آخر لأفغانستان« ضمن سلسلة "كتاب اليوم" العريقة. فخالد منصور منذ أن عرفته قبل سبعة عشر عاما اعتبره يمثل نوعية من الكتاب الذين يجمعون بين الثقافة العميقة والقدرة علي الملاحظة والمعايشة. وكذلك ساهم اتقانه الشديد للغة الإنجليزية في استعانته بالكتب والمراجع الغربية إلي جانب العربية وبذلك جمع بين الرؤيتين معاً في تحليل الموضوعات الشائكة التي يتعرض لها في كتاباته. كان في ذلك الوقت صحفيا بوكالة أنباء الشرق الأوسط ومميزا وواعدا، وعندما سافر إلي واشنطن ليشغل منصب مراسل الوكالة في العاصمة الأمريكية تلقفته إحدي منظمات الأممالمتحدة التي تعمل في مجال الإغاثة الإنسانية وضمته إلي قائمة خبرائها ومستشاريها في شئون الشرق الأوسط. وكانت أفغانستان وإيران وباكستان ضمن أهم البلاد التي عمل بها في أصعب الظروف وأخطر الصراعات، عاش خالد تلك التجربة وداخله شخصان الأول هو الصحفي الذي ينقب وينبش ويبحث في جذور الحدث، والثاني هو مسئول المنظمة الإنسانية التي تعمل في إغاثة بشر يعيشون تحت خط الحياة وليس خط الفقر فحسب! استمتعت جدا بقراءة الكتاب لأنه مزيج من أدب الرحلات والتحليل السياسي والإنساني والاجتماعي لواقع بشر شاء قدرهم أن يكونوا مواطنين أفغانا أو باكستانيين أو إيرانيين وأن تتعرض أوطانهم لمنحنيات سياسية حادة جدا وتحولات رهيبة أثرت علي حياة الناس هناك. ينقل لنا خالد في هذا الكتاب أنفاس هؤلاء البؤساء الذين يعيشون حياة مأساوية بكل ما تحمله الكلمة من معني ولا يغيب عنه أن يمزج بين حكايات البشر وبين أصول الأزمة السياسية أو الثورة الإسلامية أو الحركة الطالبانية التي كانت سببا في هذا البؤس. فالتحليل السياسي العميق حاضر والحكايات الإنسانية النابضة حاضرة أيضا وهذه هي الميزة الرئيسية في هذا الكتاب. أعجبني كذلك الوصف الإنساني الرائع الذي جسد فيه إحساسه الداخلي تجاه السفر بالطائرة منذ سفرته الأولي التي كان يتملكه الخوف خلالها أثناء إقلاع الطائرة وإحساسه الآن بعدما تحولت الطائرة - بالنسبة له - إلي ما يشبه الأوتوبيس أو الميكروباص من كثرة سفرياته، وكيف تبدل الإحساس الإنساني داخله رغم أنه الشخص نفسه مع تغير الظروف والتجربة والخبرة! في فقرة من فقرات الكتاب يقول المؤلف: "أنظر إلي القمر والطيار يبلغنا أننا نطير فوق طاجيكستان متجهين جنوبا نحو باكستان عبر أفغانستان. نظرت إلي مشهد لم أره من قبل في حياتي للقمر والنجوم في ضوء الفجر، وتمنيت أن يتوقف الزمن ساعتها". إنه حقًا كتاب جدير بالقراءة.