لا يكاد يمر شهر دون ان أتلقي علي هاتفي المحمول رسالة تهنئة من جهة ما تبارك لي فوزي بمليون دولار أو رحلة حول العالم, وكل ما علي ان أفعله هو ان أتصل بصاحب الرسالة! ولاحظت ان مبالغ الجوائز بدأت بالانخفاض تدريجياً حتي وصلت في رسالة شهر اكتوبر الماضي الي "وجبة كنتاكي" ثلاث قطع! وكان أول عهدي بهذه الرسائل قبل أكثر من عشر سنوات حين وصلني طرد بريدي يحمل صورة شيك باسمي وبمبلغ خمسين مليون مارك الماني فزت بها من بين مائة شخصية عالمية دخلت سحبة يانصيب! وكان علي ان أملأ استمارة معلومات تتضمن الي جانب اسمي الكامل رقم حسابي في البنك لكي يحولوا الجائزة إليه, وان ارفق بذلك, وهذا هو الأهم, مبلغ الف دولار مصاريف ادارية. وقد خفق قلبي في البداية وبادرت زوجتي بزف البشري الي الاهل والاقارب فتوافدوا علي للتهنئة وتناول مالذ وطاب في زمن الحصار الجائر الذي كان مفروضاً علي العراق! ولحسن الحظ اكتشفت ان المسألة نصب في نصب ويقف وراءها نصابون نيجيريون محترفون. وقرأت في الصحف المصرية خلال الأشهر الاخيرة عن نيجيريين يخدعون ضحاياهم بامكانية تحويل ورق ملطخ بالاحبار السوداء الي دولارات باستخدام مواد كيماوية خاصة ويطلبون من الضحية ان يقرضهم سعرها لشرائها. وقد خدع النصابون بعض الضحايا قبل ان تلقي الشرطة القبض عليهم. وكل هذا كوم وما حدث في محافظة النجف العراقية كوم آخر. فقد ذهب نصاب نيجيري يعيش في كندا اسمه جود اغويمزي الي النجف واقنع محافظها بمشروع قطار طائر يربط بين ثلاثة أضرحة دينية وهي النجف والكوفة والسهلة ويرتفع عن الارض ستة أمتار وبطول 37 كيلو متراً علي ان يتم الانتهاء من المشروع بعد ثلاث سنوات. ولأسباب تتعلق بالفساد المالي الشائع في حكومة دولة القانون لصاحبها نوري المالكي تضاربت الانباء حول قيمة العقد بين 248 مليون دولار و500 مليون و600 مليون و840 مليون دولار. ولم يستفسر المحافظ من النصاب عن كيفية توفير الكهرباء لهذا القطار والنجف بلا كهرباء منذ بدء الاحتلال الامريكي. ولم يقل النصاب كيف سيعالج مشكلة الارض الرملية التي تحتاج الي معالجات مهمة لتتحمل قطاراً بهذا الوزن. وإثباتاً لحسن النية قدم النصاب للمحافظ صورة لمترو قطار انفاق دبي. وللشركة موقع علي الانترنت تم انشاؤه في هذا العام ولا يحمل من الاخبار الا خبر عقد النجف! والطريف ان النصاب النيجيري تذمر امام كثير من المسئولين من ان بلاده ماطلت لمدة سنة ونصف السنة في التوقيع علي عقد معه بينما محافظ النجف المتدين وافق علي العقد بعد شهرين من التأمل! لقد تم توقيع هذا العقد في اغسطس من عام 2009 قبل عام كامل من تأسيس الشركة الصوري. ومازال العقد حبراً علي ورق بعد ان استلم النصاب نصف أو ربع المبلغ مقدماً. وقال النصاب انه يتفاوض حالياً مع المسئولين العراقيين لتنفيذ عدد آخر من المشاريع الضخمة التي يجري الاعداد لها علي نار هادئة. وكلمة (التفاوض) تعني في العراق حالياً الرشوة. ولكي يحكم النصاب الخناق علي رقبة المحافظ أعلن انه انشأ "كونسرتيوم" دولي لتنفيذ المشروع. وهذه الرابطة تضم نصابين متعددي الجنسية من باكستانيين ونيجيريين وجنسيات أخري يشتركون في عضوية رابطة مهندسي السكك الحديد وصيانة الطرق الامريكية. بالاضافة الي ابرازهم عضوية فريق لاعادة تنظيم وهيكلة ادارة السكك الحديدية في نيجيريا. أما بناء القطارات الطائرة أو قطارات الانفاق فليس أكثر من فخ ساذج سقط فيه المحافظ الشهير باعتقال المواطنين النجفيين في كل زيارة دينية سنوية خشية تسلل الارهابيين! وقد تساءلت سيدة بعد ان سمعت بهذه الحكاية: ألم يقرأ المحافظ حكاية الرجل الذي اشتري الترامواي؟ لماذا لا يصدرون الافيال الي العراق لنستخدمها في التنقل بين الفيدراليات والاقطاعيات والمشايخ التي صدعت رؤوسنا بالحديث الممل عن الديمقراطية والنزاهة والشفافية؟ كاتب المقال: كاتب عراقي