أعتذر بادئ ذي بدء »لقراء أخبار الأدب« الكرام عن أنني أعيد هنا كلاماً قلته مراراً، وكتبت عنه كثيراً، أملاً في أن يتحقق حلماً أري أن تحقيقه واجب وطني، وفرض عين ثقافي من أجل الحفاظ علي تجليات ثقافتنا الشعبية وصونها وتنميتها لما فيه خير هذا الوطن وخير أهله حاضراً، وخير أجياله القادمة مستقبلاً. لقد حظيت المأثورات الشعبية( التراث الثقافي غير مادي في المصطلح العالمي المعاصر)خلال العقدين الأخيرين بإهتمام كبير علي الصعيدين المحلي والدولي لدي كثير من دول العالم، بهدف الحفاظ عليها وصونها وحمايتها؛ ذلك أن كثيرا من المجتمعات تنبهت إلي أهمية الدور الذي تلعبه هذه المأثورات في الحياة اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً، وإلي الأخطار التي تهدد بقاءها واستمرارها ونموها وتجددها. من هذه المخاطر أنها لا تحظي بالعناية اللازمة، والرعاية الواجبة، التي تتناسب مع أهميتها، مما قد يدفع بها إلي طيات التجاهل والنسيان. ومنها أن انتقالها في الأغلب الأعم يتم شفاهاَ أو عن طريق غير التعليم المنظم مما يمكن أن يؤدي مع مرور الزمن إلي فقدها ونسيانها. ومنها أن الظروف التي تعيش فيها قد لا تكون مواتية لها أو تهددها هي نفسها بالخطر، فكثير من التقاليد الاجتماعية والثقافية، التي تعد المصادر الأساسية للهوية وللذاكرة الجمعية للأفراد والجماعات والشعوب، قد أصبحت مهددة بالإندثار نتيجة العولمة ومحاولة هيمنة ثقافة واحدة. ومنها أن النزاعات المسلحة والحروب، والهجرة من الريف إلي المدينة، والسياحة العشوائية، وتردّي البيئة الثقافية، والإفتقار إلي الإمكانات اللازمة للصون والحماية، يهدد أيضاً بقاءها وأداءها وظائفها. وقد انعكس ذلك الاهتمام وتلك المخاوف -علي الصعيد الدولي- فيما بادرت به منظمتا اليونسكو (منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة) والوايبو( المنظمة العالمية للملكية الفكرية) من دعوات إلي صون هذه المأثورات وحمايتها، وهو ما تبلور علي صعيدس (أكتوبر 2003 )، وقد صدق علي هذه الاتفاقية معظم دول العالم ومنها مصر. ومازال الأمر قيد التفاوض في إطار منظمة الوايبوس 2001 المأثورات أو ما يطلق عليه في وثائق المنظمة المعارف التقليدية وتعبيرات الفولكلور أو التعبيرات الثقافية المأثورة، وتشير وثائق النقاش الذي دار في اجتماعات الخبراء الذين شاركوا في اجتماعات المنظمتين حول هذا الموضوع إلي حقيقة مهمة يعرفها المتخصصون في المأثورات الشعبية، وهي أن الحفظ والصون والحماية يقتضي وجود أرشيف أو قاعدة بيانات لهذه المأثورات. ومن هنا كان إنشاء أرشيف قومي يقوم علي الجمع العلمي المنظم للمأثورات وتوثيقها وحفظها وتصنيفها أمرا ضرورياً وأساسياً، وهو فرض عين ثقافياً ووطنياً. ويعرف المهمومون بالمأثورات الشعبية أن إنشاء أرشيف قومي يقوم علي جمع شتات هذه المأثورات وحفظها وتصنيفها كان حلماً راود الرواد منذ أكثر من ستين عاماً، عندما سعوا لإنشاء مركز الفنون الشعبية (1957) لينهض بهذه المهمة. ولم يتحقق -للأسف الشديد- الهدف الذي أنشئ المركز من أجله لأسباب كثيرة، ليس هنا مجال ذكرها أو البكاء علي ما لم يتحقق؛ ذلك أن هذا لا يغير شيئا، بل إنه كما يقول المثل الشعبي»لعايط في الفايت نقصان في العقل«. علي أية حال، ظل إنشاء هذا الأرشيف حلماً وأملاً سعي الجيل التالي لجيل الرواد وعلي رأسه أسعد نديم لأن يصبح حقيقة، وربما تتاح الفرصة يوما لتسجيل رحلة تحقيق الحلم التي استغرقت سنوات تزيد علي نصف قرن يلخصها مثل شعبي آخر يقول »اللي يحبي يقطعها جبال« أي أن من يحبو يستطيع إذا استمر في الحبو أن ينتصر علي عقبات الطريق وأن يصل إلي ما يريد. ولقد أصبح الأرشيف حقيقة .. صحيح أنه لا يزال يحبو لكنه سيستمر في الحبو، ثم السير، والجري، لأننا مطالبون بأن نجري بأقصي سرعة لكي نظل في مكاننا، ولأننا إن لم نفعل ذلك نكون قد فرَّطنا فيمكاننا -في الوطن- وضيعناه. إننيّ أدعو قراء» أخبار الأدب« ممن يعنيهم الحفاظ علي تجليات ثقافتنا الشعبية فيما يتردد من حواديت وسير وفوازير وغير ذلك مما اصطلح تقليدياً علي تسميته بالأدب الشعبي، وفيما يمارس من عادات وتقاليد، ومعتقدات وفنون أداء، وما يتم إبداعه من حرف وفنون.. أن يسهموا في بناء هذا السجل الوطني بما يمكن أن يرسلوه إلي الجريدة، ونعد بأننا سننشره ونعرِّف به ونضيفه إلي الأرشيف محتفظين بحق صاحبه في جمعه .. شاكرين له الفضل داعين له بكل الخير.. وتعيش بلدي وأهل بلدي.