أصبحت الطاقة عصب الحضارة الحديثة، ولذلك تتجه استثمارات الدول الكبري لمجالات الطاقة، وبخاصة الطاقة الجديدة والمتجددة. وإن كان العالم لا يزال يعتمد علي الطاقة الاحفورية (البترول، والغاز، والفحم) بنسبة كبيرة. وحسب البيانات المنشورة، فإن الطاقة الأولية التي يستهلكها العالم، يتم توفير نسبة 33٪ منها من البترول، ونحو 27٪ من الفحم، وقرابة 21٪ من الغاز الطبيعي، أما النسبة الباقية وهي 19٪ فيتم توفيرها من خلال الطاقة النووية والمائية، ومصادر الطاقة المتجددة الأخري مثل الطاقة الشمسية والرياح. ومصر في هذا الإطار تعتمد بشكل رئيسي علي مصادر الطاقة من البترول والغاز ونسبة لا تتعدي 10 ٪ من مياه السد العالي، ولا تكاد تذكر النسبة التي تعتمد عليها مصر في توفير الطاقة من الطاقة الجديدة والمتجددة. ويذكر تقرير البنك المركزي المصري عن عام 2011/2012 أن صادرات مصر من البترول بلغت 13.1 مليار دولار، بينما الواردات من مشتقات البترول فقد بلغت 11.8 مليار دولار. والجدير بالذكر أن صادرات مصر البترولية تشمل قرابة 50 ٪ من صادراتها السلعية. وتكتمل الصورة إذا ما ذكرنا أن دعم الطاقة في الموازنة العامة للدولة يتجاوز مبلغ ال 105 مليارات جنيه مصري. وما أريد أن ألفت النظر إليه في مجال إعادة النظر في صادراتنا البترولية ما يلي. قد يخيل للبعض أن الفارق بين صادراتنا البترولية البالغة 13.1 مليار دولار ووارداتنا من مشتقات البترول البالغة 11.8 مليار دولار، يمثل فائضًا في الميزان التجاري البترولي لمصر. ولكن حقيقية الأمر أن صادرات مصر البترولية تتضمن حصة الشريك الأجنبي، وأيًا كانت هذه النسبة فمن شأنها أن تقلب الفائض إلي عجز في الميزان التجاري البترولي لمصر. الأمر الثاني أننا نصدر خام البترول ونستورد مشتقاته، والفارق بين الأمرين لا يحتاج إلي تدليل، فمشتقات البترول يزيد سعرها عن خام البترول بنحو سبعة أضعاف. ولذلك لابد من التفكير جيدًا في عدم تصدير خام البترول المصري، والتحول نحو تكريره محليًا في معامل التكرير المصرية.. ومن شأن هذه الخطوة أن تحقق مجموعة من الإيجابيات، منها زيادة القيمة المضافة للبترول المصري، ومن جانب آخر، فإننا سنكون قد استغنينا عن جزء كبير من واردات المشتقات البترولية، مما سيوفر بلا شك حاجتنا للدولار الأمريكي لتمويل وارداتنا من مشتقات البترول.. ومن جانب آخر فإننا سنكون في سعة من الوقوع تحت ضغط الواردات، وتقلبات سعر البترول في السوق العالمية، ونكون قد سيطرنا بشكل كبير علي احتياجاتنا من سلعة استراتيجية مثل مشتقات البترول. ومن شأن التحول لإنتاج مشتقات البترول محليًا أن يُفعل البحث العلمي لدينا لتطوير هذه المشتقات، وتحويل العديد منها إلي منتجات ذات انبعاثات كربونية أقل، مما يساعد علي الحفاظ علي البيئة. كما يساعد هذا الأمر علي تحقيق وفورات في ميزان المدفوعات إذا ما قمنا باستيراد خام البترول وتحويله إلي مشتقات، سواء لاستيفاء احتياجاتنا المحلية، أو في حالة توجهنا للتصدير، فإننا في هذه الحالة نصدر سلعا ذات قيمة مضافة وليست سلعة أولية. لا أظن أن لدينا مشكلة في مصر بعد ثورة 25 يناير في اتخاذ هذه الخطوة فلدينا العديد من معامل تكرير البترول، وعليها أن تعمل بكامل طاقتها، وإن كانت معامل تكرير البترول في مصر غير قادرة علي تكرير إنتاجنا بالكامل من البترول الخام، فليكن لدينا خطة للتحول لامتلاك معامل التكرير الكافية للقيام بانتاج مشتقات البترول وتكريره. وهذا مجال من مجالات الاستثمار التي يجب أن نفتحها للقطاعين العام والخاص، وهي فرصة حقيقية أما الجهاز المصرفي المصري لتمويل مثل هذه المشروعات، بدلا من تمويل سندات وأذون الخزانة، وبالتالي يكون لاستثمارات الجهاز المصرفي إضافة للتنمية في مصر. والحمد لله مصر غنية بالكوادر الفنية العاملة في مجال تكرير البترول، ولدينا كلية متخصصة بجامعة قناة السويس، تصدر خريجيها وخبرائها للدول الأخري، سواء في الخليج أو ماليزيا أو غيرهما من الدول. الأمر يحتاج إلي قرار سريع وجرئ لوقف صادرات مصر من البترول الخام، والتوجه في أسرع وقت لإنتاج مشتقاته في مصر، لتحقيق العديد من المزايا التي ذكرناها في هذا المقال، وكل إيجابية منها كفيلة باتخاذ هذا القرار. فالطوابير التي نراها علي محطات الوقود، والقيود التي نضعها حول أنفسنا في التوسعات الاستثمارية، وما يتبع ذلك من تكلفة الطاقة في الاستثمار بمصر، تجعلنا نعيد النظر في مقترح وقف تصدير خام البترول المصري.