د. محمد الجوادى فى حواره مع »الأخبار« البرلمان سيكون متوازنا.. وأتوقع ميل الإخوان للوسط أكثر من اليمين من داخل مجلس حقوق الإنسان التقت »الأخبار« بالمؤرخ والمفكر السياسي الدكتور محمد الجوادي بعد تعيينه مؤخراً كعضو من أعضاء المجلس ليتحدث عن حقوق الإنسان التي يراها أهم بكثير جداً من أن تكون مرتبطة بالتعذيب أو السجن أو التحقيق أو المساءلة القانونية .. ويستنكر بشدة كل أشكال انتهاك حقوق الإنسان بداية ممن يتعرض لواقعة بعينها ومنتهية إلي من يتابعها عبر وسائل الإعلام .. ويلوم علي جهاز الشرطة أنه يقوم بتحرياته علي الطريقة القديمة من ضرب وتعذيب للحصول علي اعتراف تحت ضغط ..ويري أنه من المستحيل أن تحقق الشرطة شيئاً بسبب الخلفيات المعرفية لها والأدوات المساعدة لها .. ويرجع تزايد العنف في الشارع إلي موروثات العهد البائد .. ويؤكد علي ضرورة اللجوء إلي السيناريوهات البديلة بين مؤسسة الرئاسة والمعارضة للوصول إلي أرضية مشتركة .. ويشير إلي أن العصيان المدني وسيلة مهمة لتنبيه الحكومة قبل الرأي العام إلي أن هناك خللاً في نقطة من النقاط .. ويتوقع أن البرلمان القادم سيكون برلماناً متوازناً وأن الإخوان المسلمين سيميلون إلي الوسط أكثر من ميلهم إلي اليمين وستزداد قوة حزب البناء والتنمية وسينتهي التحالف بين حزبي النور والوطن وإلي مزيد من التفاصيل .. كيف استقبلت خبر تعيينك بمجلس حقوق الإنسان؟ - استقبلته بإحساس بالمسئولية تجاه حقوق الإنسان لأن حقوق الإنسان لا تقف عند الطعام والشراب والحرية بل تمتد إلي حق الإنسان في ثقافة غير مشوهة ، وإعلام غير مزيف ، ومعلومات حقيقية غير مضخمة ولا مكبرة ولا مستهدفة شيئاً معيناً ، كما أنها ليست وسيلة للضغط علي الإنسان فحق الإنسان حق عام وأكبر بكثير جداً من أن يكون مرتبطاً بالتعذيب أو السجن أو التحقيق أو المساءلة القانونية.. وتحضرني الآن قصة أحد أساتذتنا - بعد عودته من مدة زمنية قضاها بإحدي بلدان العالم الأوروبي -فعندما كان يحدث زملاءه عن حقوق الإنسان بالخارج تمني أن يأتي اليوم الذي يري المواطن المصري يتمتع بمثل هذه الحقوق فرد عليه أحدهم بأن هذا ممكن أن يحدث بعد 50 عاماً..فرد عليه قائلاً لو وصلنا بعد50 عاماً لحقوق الحيوان هناك يكون هذا إنجازاً كبيراً .. لا يمكن أن يكون هناك حقوق للإنسان بدون أن نقر حقوق النبات والحيوان والجماد بمعني الحفاظ علي مبني أثري وهناك أيضاً حقوق للشارع والطريق .. باختصار إنها منظومة كاملة وحقوق الإنسان ليست إلا قمة الجبل الذي يتعلق به الكثير من الحقوق للتراث والأثر والتاريخ ..إلي آخره. وما هو تعليقك علي واقعة السحل التي شاهدناها مؤخراً واستخدام العنف المفرط في التعامل مع المواطنين؟ - فيما يتعلق بواقعة السحل - هذا إذا كانت قد حدثت بالفعل - فأنا لا أري أن القضية تكمن في واقعة السحل نفسها إنما الجريمة الأكبر حسب تصورات كل الأطراف سواء كان "حمادة" من هذا القبيل أو من ذاك القبيل ولكن أن يكون هذا النمط من التفكير موجوداً في العقلية المصرية،وأن يكون هناك إنسان يستأجر لأداء وظيفة معينة حتي لو كانت هي التمثيل،وأن يكون هناك إنسان تنتهك حقوقه لمجرد أنه غيَّر رأيه في روايته،وأن تمتد الانتهاكات إلي أسرته وإلي زوج ابنته وابنته ،وأن المواطن البسيط الذي لا علاقة له بالواقعة يشاهد علي شاشة التليفزيون تكثيفا من الجرعة الإعلامية التي تتحدث عن جانب من هذه القضية من جانب هذا المنظور أو ذاك كل هذه الحالات تعد انتهاكاً لحقوق الإنسان .. حق الإنسان يشمل أيضاً حقه في عفة اللفظ وطهارة التعبير وفي نظافة الألفاظ المستخدمة في الحياة العامة. أداء الشرطة ما هو تقييمك لأداء الشرطة في الأحداث الأخيرة؟ - الشرطة تتعلم بطريقة معينة تنتقل من أفرادها المؤهلين وهم خريجي أكاديمية الشرطة إلي المساعدين وهذه الطريقة تقوم علي فرضية مهمة وهي أن الشرطة في موقف أقوي من موقف المواطن ولكن من المفروض ألا يكون من ناحية القوة البدنية ولا بممارستها للتعذيب ولكن بالمعرفة وهذا يقتضي تحول الشرطة تحولاً كاملاً ولنتخذ مثالاً علي ذلك القضية المتهم فيها أحد رجال الأعمال المصريين والتي تم التحقيق فيها بمعرفة جهات التحقيق باحدي دول الخليج وكانت قضية متكاملة الأركان لأن الشرطة اعتمدت فيها علي العلم بحيث لم يتمكن القاضي في الثلاث مرات التي تم فيها نظر القضية بأن يغير شيئاً في الحقائق التي فرضت عليه..ومن ثم فالشرطة عليها أن تتحول لتصبح قوتها قائمة علي العلم وعلي أدلة قوية وعلي تحليل علمي وعلي مكتبة ومعطيات علمية لتساندها وليس القوة القائمة علي إضطرارها إلي التحريات علي الطريقة "البلدي" والتي تتمثل في القبض علي المواطنين وضربهم وتعذيبهم ليعترفوا بما لم يقترفوه إن موجة التحريات القديمة انتهت في العالم كله منذ زمن وحل مكانها الكاميرات التي تؤدي المهمة ولكن بطريقة "التحليل البعدي" بمعني إعادة عرض الصورة التي التقطتها الكاميرا وتحليلها وهذا التحليل دقيق وكاشف 100٪ .. وبالتالي فالفكرة الواضحة أنه يستحيل أن تحقق الشرطة أي شيء بهذا التكوين والأمر هنا لا يتعلق بالأخلاق ولكنه يتعلق بالخلفيات المعرفية والأدوات المساعدة لها في عملها. هل أنت مع فكرة إعادة هيكلة الشرطة؟ - أنا مع فكرة تخلص الشرطة من الشرطة المتخصصة التي تستنزف قواها ولقد أعددت ورقة كاملة بذلك لتقديمها للمجلس القومي لحقوق الإنسان وتتلخص في الآتي : فيما يتعلق بالمرور فأقترح نقل المرور كهندسة مع النقل والطرق ونيابات المرور إلي مكان واحد في القاهرة وليكن بالقرب من التجمع حيث يذهب المواطن المصري إلي هناك مرة كل ثلاث سنوات وبحيث تنقل كذلك جميع الملفات كما يحدث في الدول المتقدمة.. كما أقترح العمل بنظام الحكمداريات المنفصلة والمخصصة لكل قطاع علي حدة علي سبيل المثال حكمدارية للسكك الحديدية وأخري للنقل والمواصلات وثالثة للسياحة ويكون مأمور الحكمدارية برتبة لواء ويكون مسئولاً مسئولية مباشرة بمعني ألا يكون فوقه رتب أعلي وأقصد بذلك تقليل الحلقات الإضافية في الإدارة .. أما الشرطة فتصبح شرطة الأقسام فقط وأن تخصص أماكن لائقة للأقسام فلا تكون كقسم الدقي الذي هو جزء من السفارة الروسية أو كقسم العجوزة الذي هو جزء من عمارة سكنية بمعني أن نعيد الهيبة لأماكن الشرطة وتكون محصنة تحصيناً جيداً بحيث لا يفكر أحد في مهاجمتها ، في الوقت ذاته يجب أن تختلف المعاملة داخل الأقسام فلابد من مراعاة حقوق الإنسان بحيث يشعر من يدخلها بأنه مكرم وليس كالمثل الشعبي "الداخل مفقود والخارج مولود". العنف في الشارع ما هو تعليقك علي زيادة العنف في الشارع خلال الفترة الأخيرة؟ - تزايد العنف يرجع إلي ثلاثة أسباب..أولاً : الموأمرات الخارجية وهي بدون شك موجودة .. ثانياً : افتقاد لغة الحوار وذلك بسبب عدم وجود تربية سياسية فكل الأحزاب السياسية بدون استثناء تفتقد للتربية السياسية فكل طرف منها لا يستطيع عمل حوار وهذا يذكرنا باثنين لا يفهمان لغة كل منهما فيتحول حوارهما إلي استعمال الأيدي ومع رغبتهما في التأكيد علي المعني يلجأن" للخبط "وبذلك يتزايد العنف..أما السبب الثالث والأهم :فيتلخص في وجود مخزون كبير من الأسباب المولدة للعنف كالعلاقة بين المالك والمستأجر والعلاقة بين المدير ومرؤسه والجار وجاره إلي آخره من موروثات العهد البائد لكن لو لم تقم الثورة كان هذا العنف سيتفجر حتي بين جمال ومبارك. السيناريوهات البديلة ومن الحوار في الشارع إلي الحوار في قصر الرئاسة .. من وجهة نظرك ما هو السبب الرئيسي في فشل كل مبادرات الحوار السابقة ؟ - من أجل أن يتم حوار لابد وأن يكون من بحزب الحرية والعدالة قادرا علي الحوار ومن بالمعارضة يكون راغباً في الحوار بمعني أن المعارضة تعمل علي فشل الحوار لتثبت عدم وجود حوار أما الطرف الآخر وهو حزب الحرية والعدالة أو الجبهة التي فيها الرئيس مرسي غير قادرة علي تصور ما تتكلم عنه المعارضة وهذه القدرة تتأتي بالتربية السياسية التي تتحقق بوضع سيناريوهات بديلة وهذا ليس بجديد فالأمم المتحدة في وقت من الأوقات أنشأت معهداً للسيناريوهات البديلة كذلك معاهد الفكر العالمي وحتي معاهدة اتفاقية السلام بين مصروبين إسرائيل كانت أحد السيناريوهات البديلة .. إذن فملف السيناريوهات مهم جداً ولكن لا يمكن عمل السيناريوهات البديلة في نفس اللحظة تماماً مثل اختيار الملابس فالقطعة السوداء تسمح لنا بإختيار أي لون للقطعة المكملة لها لكن تحديد لون بعينه يحصر اختيار لون معين للقطعة الأخري .. كذلك الحال في السياسة ، نحن نحتاج لوناً محايداً وليس شرطاً أن قبولي به يجعلني أتنازل عن معتقداتي،وأن القبول بأرضية مشتركة للحوار ليس معناه أيضاً أنني اخترتها. وعلي من تقع المسئولية في هذه الحالة؟ - علي المفكرين لكن المفكرين الحقيقيين الآن في مصر كلهم تورطوا في الانحياز إلي جانب دون آخر والسبب يرجع إلي أن مكانتهم لم تعد كما كان في الماضي فالمفكر لا يستطيع أن يعيش بمفرده ولكن لابد له أن يكون منتمياً من أجل الحصول علي العائد المادي فنراه يتردد علي القنوات الفضائية للحصول علي أجر إذن فالفكر المرتبط بأجر و تحوله إلي وظيفة مهنية جعلت الفكرة المجردة لا ترقي إلي أن يعيش أحدهم من أجلها كما أصبحت الشخصيات القوية الموجودة حالياً تخفي نواياها وبالتالي أصبح الحوار في مجتمعنا غير قائم علي المصارحة ولا أحد يعلن عما يريده بالتحديد. العصيان المدني كيف تري دعوات العصيان المدني؟ - محاولة يائسة من المعارضة للدخول إلي منطقة تحتاج إدارة شعبية وليس توريطا شعبيا .. مصر جربت العصيان المدني في إضراب الموظفين سنة 1919 وكان المشاركون فيه رجالاً ذوي شأن انتهي بهم الحال إلي أنهم أصبحوا رؤساء وزارة و وزراء فيما بعد ذلك،أما الآن فالذين يطالبون بالعصيان المدني لا يطلبونه من كبار الموظفين ذوي الشأن بل يطلبونه من "الغلابة" ويمنعونهم من تأدية أعمالهم .. أنا أفهم أن يمتنع الإنسان عن العمل وأن يمتنع في الوقت نفسه عن تقاضي الأجر لاأن يمتنع عن العمل ويطالب بزيادة الأجر عندئذ يفقد جزءا كبيرا من المصداقية .. ومع هذا أن العصيان المدني وسيلة مهمة لتنبيه الحكومة قبل الرأي العام إلي أن هناك خللاً في نقطة من النقاط. مقاطعة الانتخابات ماهو تعليقك علي مقاطعة المعارضة للانتخابات البرلمانية؟ - أعتقد أن الموقف سيتغير بعد زيارة جون كيري لمصر وأن الحكومة ستقدم ضمانات للمعارضة بأن يكون لها تمثيل في البرلمان وهذا أمر مطلوب ولا أراه تدخلاً بل "توفيق رأسين في الحلال". ما هي أهم الملفات التي يناقشها المجلس القومي لحقوق الإنسان الآن؟ - المجلس معني الآن بثلاث قضايا مهمة جداً .. أولاً: وضع صيغة قانونية للمجلس تجعل منه واجهة حقيقية لمصر ولحقوق الإنسان في مصر .. ثانياً: تفعيل حقوق الإنسان في مصر بطريقة قانونية لا تعتمد علي شخص ولا علي الإعلام وإنما تكون حقوقاً تؤدي مثل الفروض الدينية ولا يكون هناك مناقشة حولها ولا تقليل منها .. ثالثاً : الإعلام الذي ينتهك حقوق الناس لمعرفة الحقيقة بما يكبره أو يضخمه أو يبثه من معلومات تتعارض مع الحقائق. هل هناك نية للعمل علي وضع قيود في التعامل مع الإعلام؟ - من المفترض أن الحياة الديمقراطية نفسها تقوم علي القيود أي أن الديمقراطية تعني فرض القيود ومن لا يفهم هذا فهو لا يفهم ولا يستمتع بالديمقراطية بمعني أن لو رفض 49٪ فيجب أن يتنازلوا لل 51٪ الذين مع ذلك الرأي وبالتالي فقيود الديمقراطية قيود صعبة لأنها تقيد الحرية وتجعل الإنسان يتنازل عن رأيه من أجل مصلحة الجميع لكن بدون آليات وقيود الديمقراطية لا يمكن لمجتمع أن يخطو للخطوة التالية وهي خطوة الوطنية ولا للخطوة الرابعة وهي خطوة التنمية ولا للخطوة الخامسة وهي خطوة التقدم .. الحرية تبدأ ثم تيليها الديمقراطية ثم الوحدة الوطنية والحرص علي وطن واحد وليس علي أوطان متعددة علي أرض واحدة ثم تأتي التنمية سليها التقدم .. من المفترض أن هذه الخطوات الخمس تتم كلها في خلال أيام لكنها طالت بعض الشيء في بلدنا لأن الاستمتاع بالحرية جرنا إلي تأجيل الديمقراطية والتقدم والتنمية. ما هي توقعاتك بالنسبة للأيام المقبلة ؟ - توقعاتي تتلخص في أن جبهة الإنقاذ سينشأ منها أجنحة مختلفة وهذه الأجنحة ستخوض الانتخابات وسيكون هناك برلمان متوازن إلي أبعد حدود التوازن وستظهر وسطية الإخوان وسيميلون إلي الوسط أكثر من ميلهم إلي اليمين وبالنسبة للتيار السلفي سيخرج حزب الأصالة من التحالف كما سيخرج حزب الوطن من تحالفه مع النور وستزداد قوة حزب البناء والتنمية.