كتبت أكثر من مرة أطالب بالوفاق الوطني الذي يقوم علي الحوار المتوازن بعيدا عن فرض الأمر الواقع. سلوك غير هذا الطريق يعني فرض الاستسلام علي المشاركين خاصة عناصر المعارضة. لاثبات حسن النية تجاه هذا الحوار لابد من إقدام الحزب الحاكم بمبادرة تحمل مؤشرا حقيقيا بإمكانية التوصل إلي أرضية توافق سياسية. من المؤكد ان أي خطوة علي هذا الطريق.. تعد مساهمة ايجابية في إزالة الشكوك وتوفير قدر من الثقة تحتاجها عملية خروج مصر من محنتها. تبلد وعدم تحرك من في يدهم القرار في تبني هذا الاتجاه سوف يؤدي إلي مزيد من حالة الاحباط والمرارة وهو ما سوف يصل بالحوار اذا تم إلي شيوع الاحساس بالهزيمة لدي الأطراف الاساسية. إذن وبناء علي هذه الأجواء غير المواتية فإن الاصرار علي عدم التجاوب مع أي مطلب كشرط لإجراء هذا الحوار يؤكد ان النتيجة المحتمة هي الفشل وتضييع الوقت وهو أمر غير مرحب به في هذه الظروف الغاية في الصعوبة. ان توافر رغبة حقيقية في حوار هادف يحقق الصالح الوطني يحتاج أول ما يحتاج إلي التخلي عن شبهة الجنوح إلي الغطرسة والغرور والانتصار لنزعة العناد المدمر. في اعتقادي ان هذا الأمر كان وراء قرار جبهة الانقاذ بمقاطعة الانتخابات تجاوبا مع رغبة القوي الثورية. لا جدال أن الاحتقان والتربص بالشارع المصري يحتمان تجريد هذه المبادرة من أي شعور لدي المشاركين بأنها تدخل في إطار المن وليست الحاجة الوطنية الملحة. هنا يحق القول بأن لا فرصة لعودة الأمن والاستقرار - باعتبارهما حجر الزاوية ببدء عملية البناء- الا بتوافر الايمان المخلص بقواعد اللعبة الديمقراطية الصحيحة. وفي هذا المجال لا يمكن بأي حال الاستهانة بمطالب الألوف المؤلفة من المتظاهرين بهذه الصورة التي سوف تؤدي إلي تصعيد في الصدام والتوتر الذي لا نتيجة من ورائه سوي مزيد من التعقيد للموقف. لقد أصبح من غير المعقول محاولات الالتفاف علي جوهر مشكلة غياب التوافق التي يعيشها الوطن.. من خلال اللجوء إلي دعوات للحوار المطلق الذي لا يستند إلي أجندة عمل محددة. عدم الالتزام بهذه الاسس يعطي احساسا بان الهدف هو اجهاض أي قرار أو تحرك من جانب الطرف الآخر في المواجهة السياسية. ليس هناك ما يقال في هذه المرحلة الفارقة سوي الدعاء إلي الله بأن ينعم علي الجميع بالعقلانية والحكمة.