هذا هو الكتاب الثاني للكاتبة الصحفية المصرية »ميريت زكي« التي تكتب باللغة الفرنسية، وتشغل الآن منصب نائبة رئيس تحرير مجلة "BILANس السويسرية بعد أن كانت المسئولة عن الملحق الاقتصادي لصحيفة "LE TENPSسأو »الزمان«، وهي أهم الصحف السويسرية الناطقة بالفرنسية. وكانت »ميريت زكي« قد نشرت قبل ذلك كتابها الأول حول فضيحة بنك "UBSس السويسري، الذي كان أول ضحايا الانهيار الهائل الذي اصاب بنوك الولاياتالمتحدةالأمريكية والناتج عن فقاعة الإقراض العقاري التي انفجرت فجأة، مما تسبب في أكبر أزمة اقتصادية عالمية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وقد صدرت من ذلك الكتاب سبع طبعات في ستة شهور. الكتاب الثاني يصدر عن دار »فافر« FAVRE الشهيرة للنشر بعنوان »الحسابات المصرفية السرية ماتت.. يحيا التهرب الضريبي«!! نقطة البداية في الكتاب الجديد للكاتبة ميريت زكي هي مشكلة سويسرية تتمثل في رضوخ هذه الدولة المحايدة الصغيرة لضغوط القوي العظمي »الولاياتالمتحدة وفرنسا والمانيا.. الخ« للكشف عن أصحاب الحسابات المصرفية السرية، وقبولها إتفاقيات لتبادل المعلومات حول أصحاب الحسابات المتهربين من الضرائب. وبذلك تتخلي سويسرا عن تراث قديم كان يتشبث بالحفاظ علي أسرار المودعين، وخاصة الأجانب. القوي والضعيف الهدف الأساسي من الكتاب هو أن يوضح كيف أن تحكم القوي الكبري في ثروات العالم يزداد شراسة لكي تتمكن من السيطرة عليه سيطرة كاملة. وتري المؤلفة ان الضغط من القوي علي الضعيف ليس سوي محاولة من القوي لسلب أي ميزة باقية في يد الضعيف لكي تصبح كل الميزات في يد القوي. والهيمنة الأكبر من نصيب الولاياتالمتحدة وبريطانيا، وهما تستغلان تشريعاتهما الخاصة التي تختلف عن قوانين الدول الأخري لفرض هيمنتها.. وهنا يجب التذكير بأن القانون الانجلو - ساكسوني يفتح الطريق - بتعقيداته المركبة - أمام التهرب الضريبي وتهريب الثروات الضخمة من الأموال التي من نصيب الورثة، والتي قد تصل في بعض الدول الي أكثر من 05٪ من قيمة الثروة. الكتاب يتناول مشكلة المعايير المزدوجة: فقد أبقت السلطات الأنجلو - ساكسونية علي الممارسات السرية ولم تمسها، فهي تتحكم في سوق التهرب الضريبي، في الوقت الذي لا تري فيه أمامها سوي سويسرا - ونظام سرية الحسابات في بنوكها - باعتبارها المذنب الوحيد في جريمة التهرب من الضرائب! المعاملة بالمثل وتدعو الكاتبة.. سويسرا الي ضرورة مقاومة الدعوات المطالبة برفع السرية علي الحسابات المصرفية، والتي تتبناها الدول المجاورة، وتطالب بالمعاملة بالمثل وعلي قدم المساواة، وتقول إن علي سويسرا ألا تعطي أكثر مما ينبغي، وبسرعة أكبر مما يجب، في مواجهة الضغط الدولي. وفي الولاياتالمتحدة، لاحظت ادارة أوباما والديموقراطيون من أمثال السيناتور ليفين، أن هناك مساويء ومفاسد صارخة في جزر كايمان وغيرها من جزر البحر الكاريبي، ومع ذلك فإن الادارة الامريكية لا تركز أنظارها سوي علي سويسرا فقط ولم يحدث ان بنكا امريكيا تعرض للحصار الذي تعرض له بنك "UBSس السويسري الذي أرادوا ان يجعلوا منه رأس الذنب الطائر. وتقول المؤلفة انه عندما يتحرك الامريكيون فإنهم يهتمون فقط بما يتعلق مباشرة بالصناعات المالية للدول الأخري، ولكنهم لا يستهدفون، مثلا، بنوك فلوريدا التي تحمي كمية كبيرة من الأموال المهربة، وخاصة المكسيكية. وتعتبر الكاتبة أن بنك "UBSس كان مسئولا عن واحد في المائة فقط من الأموال المتهربة من الضرائب الأمريكية، ولكن ماذا عن ال99٪ الباقية؟ لا شيء! إخفاء الثروات تقول الكاتبة إن أهم وأنجع آلية من التهرب الضريبي هي »التراست« TRUSTوهو نظام انجلو - ساكسوني شهير يسمح لصاحب الثروة أن يخصص قدرا معينا من ثروته لهدف محدد »وهو ما يشبه، بشكل ما، نظام الأوقاف عندنا«، والتعريف القانوني لهذا النظام هو عقد خاص ليست له شخصية، ويتحدي في الواقع مفهوم الاقليم "TERRITORIALITY أو التبعية لأرض معينة وهو عابر للحدود OFFSHORE. وفي الوقت نفسه فان هذا النظام يجرد مفهوم الملكية من معناه تماما، ذلك لأن صاحب الثروة يتنازل عنها تحت ستار أنها عمل خيري أو إنساني لمجلس أوصياء أو محافظين »تراستيز« ويصبح رئيس هذا المجلس -الوصي- هو المسئول، كما يوجد حامي لهذا »التراست« أو "PROTECTORس وهو في القانون الانجليزي أو الامريكي مراقب حسابات مستقل عن »الوصي«. وعبر عملية قانونية معقدة يتحول »الحامي« الي مجرد »مراسلة« يقوم بتسليم تعليمات أصحاب »التراست« الاصليين الي الوصي الذي يقوم بتنفيذها. من هنا نفهم مغزي العبارة الشهيرة التي قالها أول ملياردير في التاريخ زادت ثروته عن المليار في أوائل القرن العشرين، وهو »جون د. روكفلر«: »أسراري بسيطة للغاية، وهي تتلخص في أنني لا أملك شيئا ولكني أسيطر علي كل شيء«. وقد وضعت المؤلفة هذه السطور في صدر الباب الثاني من كتابها. يتضح من ذلك ان اصحاب المصلحة في الضغط علي البنوك، خاصة السويسرية منها، هم القوي الكبري وخاصة الدول الكبري بريطانيا والولاياتالمتحدة. فقد نجم عن خضوع سويسرا لطلب الافصاح عن المتهربين عن الضرائب.. نقل الأمور من ايدي موظفي البنوك »المحافظين علي أسرار المودعين« الي شركات المحاماة والمحاسبة الكبري، وهي في الأساس »أنجلو - امريكية«. وتعرض لنا ميريت زكي في باب مستقل من كتابها مثالا علي ذلك هو قضية كبري لصاحب »تراست« فرنسي، نجح ابناه في اقصاء زوجة والدهما بحيث لا تحصل علي نصيبها من ثروته، وفشلت تقريبا جميع المحاولات للكشف عن الثروة المخبأة خلف حجاب كثيف، ومعقد من »التراستات« وهي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.