دعت جبهة الانقاذ بالاتفاق مع بعض النقابات العمالية إلي تنظيم مليونية مطلع مارس القادم بعنوان "عاوز اشتغل" وبلا شك أن الحق في العمل من أبسط حقوق الانسان الاقتصادية، والحق في العمل من أبسط قواعد العقد الاجتماعي داخل المجتمع، فالقوي البشرية هي عماد أية تنمية. ونحن ندرك جميعًا أن البطالة لها عواقبها الاجتماعية والسياسية السيئة، ولذلك فنحن أمام تحد كبير في سوق العمل المصري، الداخلون الجدد يمثلون نحو 850 ألف فرد تدفع بهم المؤسسات التعليمية سنويًا، في الوقت الذي لا يستطيع القطاع الخاص المنظم في أحواله الطبيعية أن يستوعب سوي نحو 12 ٪ منهم، بينما القطاع الحكومي يستوعب نحو 15 ٪ منهم أيضًا، ويقوم القطاع الخاص غير المنظم باستيعاب نحو 73 ٪ من الداخلين الجدد لسوق العمل. والمعروف أن سوق العمل غير المنظم تُهضم فيه كافة حقوق العامل، فلا مجال لحقوق تأمينية علي الصعيدين الاجتماعي والصحي، كما لا تتوفر فيه شروط العمل الآمن في منشآت العمل، وقد يعمل الفرد ساعات إضافية بلا أجر تحت وطأة الحاجة، فضلًا عن العمل خارج نطاق التخصص، وغير ذلك من المشكلات. وتحمل إلينا احصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء أن معدل البطالة في السوق المصري قد ارتفع في نهاية عام 2012 إلي نحو 13 ٪ ومن هنا نجد أنه علي الجميع واجب التضافر من أجل إتاحة فرص العمل المناسبة لجميع من هم في سن العمل. ولكن إذا كان من حق جبهة الانقاذ الدعوة إلي مليونية بعنوان "عايز اشتغل" فمن واجبهم أيضًا أن يوفروا المناخ المناسب لتوفير فرص العمل، ومن العجيب أن صاحب الدعوة للمليونية د. أحمد البرعي، كان وزيرًا للقوي العاملة بعد ثورة 25 يناير، في حكومة د. عصام شرف، ولمدة تزيد عن العام، وكان يطالب وقتها بعودة الهدوء للشارع المصري حتي يستطيع الاقتصاد أن ينهض، وبخاصة أن كثير من الجهات المانحة لم توف بوعودها لمصر. فما الذي تغير ياسعادة الوزير، بعد أن تركت الوزارة، وأنت صاحب الكثير من الدراسات في الحقوق العمالية، هل استقر الأمر الآن في المجتمع المصري، ولم يبق إلا تنظيم المليونيات. الحقيقة أمر محير أن نجد من يطالب بالحق في الشغل يساعد علي تنظيم الفعاليات التي من شأنها أن تعوق حركة الانتاج، فحسب تقدير لخبراء اقتصاديين نشر أمس، وصلت خسائر مصر بسبب المليونيات لنحو 320 مليار جنيه مصري. وحملت لنا الأخبار في نفس اليوم عن قيام بعض متظاهري مدينة بور سعيد بغلق المناطق الصناعية هناك، فلصالح من تتم هذه الفاعليات؟، وهل في ظل هذه الأجواء يكون من المناسب الدعوة لمليونية "عايز اشتغل"؟. البعض يتصور أننا أمام قرارات تعيين فورية في الجهاز الحكومي وباقي مؤسسات الدولة، دون أية اعتبارات مالية واقتصادية، فتتحول الحكومة إلي أكبر رب عمل في السوق، في الوقت الذي لدينا فيه نحو 6.1 مليون عامل بالجهاز الحكومي للدولة يعانون من البطالة المقنعة، وتنخفض فيه انتاجيتهم بشكل ملحوظ لا يخفي علي أحد، حتي أن بعض التقديرات تذهب إلي أن انتاجية العامل بالمؤسسات الحكومية بمصر لا تزيد عن 28 دقيقة في اليوم!!. الحق في الشغل لا ينكره أحد، ولكن هناك واجبات علينا أن ندركها جيدًا، فالمستثمر المحلي قبل الأجنبي يبحث عن الاستقرار، وعدم تعطيل الطرق، وانسياب حركة المرور. فميدان التحرير مغلق لأكثر من ثلاثة أشهر، ويتم الاعتداء علي مؤسسات الدولة المتمثلة في مباني المحافظات وقصور الرئاسة، فأي مناخ هذا الذي نطالب فيه الحكومة بفرص عمل، هل يستطيع د. أحمد البرعي وزير القوي العاملة السابق والراعي لهذه المليونية أن يوفر فرص عمل في ظل هذا المناخ؟. نتمني أن نري ما فيه خير هذا البلد بعيداً عن المزايدة السياسية، فرجل الشارع في انتظار أن يجني ثمارا اقتصادية واجتماعية حقيقية لثورة 25 يناير، وليس مزيدا من البطالة وفقد فرص العمل، لذلك اتمني علي الذين دعوا لهذه المليونية أن يجعلوها مليونية عمل، لبذل ساعات إضافية أو علي الأقل أن تنتظم مؤساتنا الحكومية في مواعيد عملها دون تأخير. كفانا مليونيات ولنذهب للعمل.