المصريون شعب يحب أكل الخبز »العيش« وهو الاسم الدال علي الحياة نفسها، فنحن نعيش علي العيش، ونقول: عيشتنا حلوة أو مُرة، وكلمة عيشة جاءت من العيش لانه الغذاء الرئيسي لحياتنا منذ آلاف السنين. تقول العالمة: آنا دويز ana ruiz في كتابها: »روح مصر القديمة« ترجمة إكرام يوسف: يبدو ان اول خبز مخمر في العالم ظهر في مصر القديمة، فقد كان الغذاء الرئيسي لقدماء المصريين هو: الخبز والجعة ومع بداية الدولة الحديثة استخدم المصريون أربعين نوعا مختلفا من الخبز، المضاف إليه التبن او العسل او المتبل بالاعشاب او البهارات او السمسم والكزبرة والينسون وكان كعك الخبز يشكل علي هيئة أرغفة مفلطحة او مخروطية او مربعة او مستديرة، واستخدم أبناء الطبقتين العليا والمتوسطة القمح في صناعة الخبز، بينما استخدم الفقراء الشعير بدلا منه لرخص ثمنه.. هكذا أحب المصريون منذ آلاف السنوات الخبز، العيش، واقبلوا عليه، وتفننوا في صناعته، وأصبح الغذاء الرئيسي علي موائدهم، ومن ثم انتشرت الامثال الشعبية حول العيش مثل: العيش الحاف يربي الأكتاف.. حلم الجعان عيش.. أو نأكل مع بعض عيش وملح، وكأن تناول العيش والملح عقد صداقة وتعاون وحب مع الآخرين، وعندما يبحث إنسان عن عمل يقول أبحث عن لقمة عيش. الحياة بالنسبة للمصري هي العيش، والعيشة هي الحياة، ولا حياة بغير العيش، ومع مرور الزمن، وزيادة المشاكل الاقتصادية، كان علي الحكومات المختلفة توفير العيش كأساس لغذاء الإنسان وليس مهما الغموس، فربما يأكل الانسان معه الجبن او حتي المش، المهم العيش نفسه، رغيف العيش السخن الطازج الذي يلتهمه الجائع حتي لو كان وحده دون غموس، أي العيش الحاف، فهو يشبعه ويسد جوعه ويحميه من السؤال! وقبل اشتعال ثورة 25 يناير 2011 بسنوات قليلة كانت مشكلة العيش مشكلة رئيسية في مصر، وقامت مظاهرات كثيرة بسبب الغلاء وعدم توافر العيش، وأصدر الشاعر الثائر الساخر أحمد عفيفي ديوانه الشعري »إلا.. رغيف العيش« قبل رحيله مباشرة، وكأن الرجل بحسه الشعري وملكته الفكرية يعرف ماذا يحدث لمصر والمصريين، وكأن أحمد عفيفي يعيش معنا هذه الايام العصيبة من تاريخ مصر، يتألم لألم الشعب ويتظاهر مع آلاف المتظاهرين، ويهتف بأعلي صوته قائلا: سايق عليك النبي.. إلا.. رغيف العيش طب ما أنت عارف.. ده غيره للغلابة مافيش بنلفه.. وبنقطمه.. لو هوًّ حاف.. حنعيش أصل الغموس إفترا.. أصبح كإنه حشيش وماهيتي.. ما أنت عارف.. عِره ما تكَّفيش خلي الرغيف يسترك.. من غيره نعمل إيه؟ كان جنبه كيلو البطاطس.. بيساعدنا يا بيه اصبحنا كيلو البطاطس.. ويا زيت نقليه بيحش وسط الماهية.. خمسة ستة جنيه تحية لروح الشاعر الكبير الثائر الساخر احمد عفيفي ونطلب من الله رحمة له هناك، ولشعب مصر رحمة من الغلاء والفقر والجهل والمرض. العجيب انه بعد مرور سنتين علي قيام ثورة 25 يناير 2011 التي كان شعارها: عيش، حرية، عدالة إجتماعية تأتي حكومتنا الرشيدة لتقرر نشر الجوع بين الشعب المصري عن طريق صرف كوبون لكل مواطن مصري لصرف ثلاثة أرغفة عيش فقط كل يوم، وهي لاتكفي صبيا في العاشرة من عمره! وعجبي.