كان المنظر مثيرا للدهشة.. قذائف مليتوف حارقة يقذف بها المتظاهرون إلي داخل قصر الاتحادية "مقر الحكم" وبينما ينشغل من بداخله بإطفاء ما تسببت فيه تلك القذائف من حرائق. يحاول بعض الصبية تسلق الأسوار تمهيدا للقفز داخل القصر، هذا في الوقت الذي يحاول فيه آخرون "خلع" الباب الحديدي الضخم باستخدام "ونش" عملاق وسلك وير!! لقد كنت أشاهد الأحداث علي شاشات التليفزيون بأحد الفنادق بمدينة الأقصر، وسارع أحدهم بالتعليق بأن ما يحدث "هجوم منظم بغرض الاحتلال والسيطرة" علي القصر، فذكرني التعبير علي الفور بحدثين تاريخيين، الأول عندما هاجمت طلائع الثورة الفرنسية قصر الباستيل العتيد وتحرير المعتقلين فيه، وهو ما كان رمزا علي نجاح الثورة فيما بعد. أما الثاني فقد كان اجتياح القوات المصرية لقناة السويس بعد تمهيد كثيف بمدفعية الميدان، وهو ما أدي إلي نجاح العبور.. ثم السيطرة علي الخطوط الأولي للعدو الإسرائيلي علي الشط الشرقي للقناة. إنه- حقا- أمر مؤسف أن تقارن بين نجاح القوات المصرية في عبور القناة عام 1973، ومحاولات بعض الصبية اقتحام مقر الحكم وتهديد الرئيس المنتخب ظنا ممن دفعوهم إلي ذلك بنجاح خطة الاقتحام 2013 والسيطرة ليتقدموا هم ويعلنوا عن تشكيل مجلس رئاسي مؤقت لإدارة البلاد! وإذا كان الأمر كذلك.. وأن هذا "التخمين" له أساس من الواقع. فالمسألة لا تعدو أن تكون "بلطجة" فضلا عن أنها "سذاجة" سياسية، لأن القصر يضم قوات "حرس جمهوري" مهمته حماية القصر ومن فيه من أي "عدوان" خارجي! فضلا عن وجود قوات مسلحة وطنية عاهدت الله والشعب- التي هي جزء منه- علي حماية الشرعية، والعمل علي استقرار البلاد.. وأعتقد أن تصريح وزير الدفاع كان حاسما وقاطعا في هذا المجال.. بأن القوات المسلحة لن تسمح باستمرار أعمال "المراهقة السياسية" التي يقوم بها بعض طلاب السلطة من قيادات المعارضة الحالية. وفي رأيي.. الذي قد يكون صادما للبعض.. أن ما يحدث من بعض قادة المعارضة الحالية ليس إلا محاولات لاقتسام "كعكة" الحكم.. حيث يتبني هؤلاء رأيا يقول: إن الثورة قام بها جميع المصريين، أفرادا وأحزابا فكيف للإخوان أن ينفردوا بالكعكة بمفردهم، فأين نصيب من ساهموا معهم في إسقاط النظام السابق؟! وهذا الرأي قد يبدو منطقيا بحجة أن كلنا شركاء في السراء والضراء.. ولكن علي أرض الواقع يختلف الأمر تماما، فقد تجوز "قسمة الغرباء" في الأموال المنقولة أو العقارات.. ولكن في السياسة فالأمر يتوقف علي نتائج "صندوق الانتخابات".. وهو الآلية المتفق عليها عالميا كأحد قواعد اللعبة الديمقراطية من أجل الوصول إلي الحكم في المنافسة بين الأحزاب الطامعة في ذلك. نعم.. هناك أخطاء.. ولكن هل يكون علاجها وتصحيحها بالحشد المتكرر لجحافل الهجوم علي مقر الحكم؟.. وماذا لو تصدي أنصار قاطن القصر لهؤلاء المهاجمين! ومن الذي سيذهب ضحايا تلك المواجهة المتوقعة في لحظة قادمة، إنهم "شباب من" المغرر بهم والمدفوع لهم من قبل القيادات القابعة خلف الستار انتظارا للحظة المناسبة.. للقفز.. إما من السفينة قبل أن تغرق.. وإما علي كرسي الحكم! ألا يعلم هؤلاء أن مصر "دولة" عبارة عن أرض وشعب.. يرغب في العيش بكرامة وعدالة اجتماعية وحرية واستقلال! والمعني أنها ليست "نقابة" يتنافس علي منصب النقيب فيها مجموعة من المرشحين؟.. فالمسألة أكثر تعقيدا من مجرد الرغبة في انقسام "كعكة" الحكم.. فهناك 85 مليون مواطن يرغبون كل صباح في المأكل والمشرب والملبس والمسكن والانتقال والعلاج... إلخ.. أي يطلبون ممن انتخبوه توفير الضروريات الأساسية للحياة الكريمة. ولن يتحقق ذلك إلا بالاستقرار السياسي والسيطرة الأمنية وإعادة دوران عجلة الاقتصاد.. ثم إن القواعد الديمقراطية التي ارتضيناها جميعا.. تقول إن تغيير الأوضاع القائمة لا يتم إلا بذات الوسيلة التي أوجدت تلك الأوضاع.. ونحن الآن علي أعتاب انتخابات جديدة لمجلس الشعب.. فليتنافس المتنافسون.. وليختر الشعب من يمثله.. ومن يحكمه فيما بعد. فقليل من العقل.. يرحمكم الله.