هذا الرجل أحترمه وأقدِّره.. يعمل في صمت ولا يعلن عن مشروع يؤسسه إلا بعد اكتمال مراحله الأولي وظهور نتائجه .. لقد أنشأ وأصّل لفكرة المؤسسية والعمل الجماعي وبناء أجيال جديدة متعاقبة لتحمل المسؤولية من بعده. لا يحب العمل وحده.. ونبذ فكرة إعلاء الذات والعمل بمفرده.. وأعلي من قدركل من يعمل معه الصغير قبل الكبير.. وتحمل عبء بناء أربعة أجيال متعددة يحملون الراية وتولي المسؤولية ويطبقون العمل المؤسسي السليم في البناء والتشييد وهو ما نعاني منه في مصر..! أتحدث عن العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية، الذي أعطي درساً لكل من يرأس مؤسسة أو يعتلي كرسي السلطة فلا يمسح تاريخ من كان قبله فهذا ضد المؤسسية ويسير علي خطي النهج العلمي والاستفاده من مكتسباته في التدريب والإدارة " القيادة والأفراد والتنظيم والهيكل والنظام" وآمن بأن حسن الإرادة لايكفي في البناء ولكن بحسن الإدارة أيضاً والبناء المؤسسي، وبالإخلاص في العمل استطاع أن يكتب إسمه بحروف من نور في صفحات التاريخ علي المستوي الإقليمي والدولي وليكن عبرة لكل من يعتلي رئاسة أي مؤسسة أو شركة.. كنت شاهدة علي ذلك العمل والجهد الذي يقوم به د. علي جمعة طوال السنوات السابقة منذ أنشأ فضيلته مؤسسة مصر الخير بالعمل الجماعي والمؤسسي لأتفاجأ كل أسبوع تقريباً بدعوتي لأشاهد نتائج مبهرة لمشروعات عملاقة في كل مناحي الحياة أسست في صمت تام في التعليم والصحة والتكافل الاجتماعي والبحث العلمي، ولتصبح مصر الخير في سنوات قليلة من أهم مؤسسات المجتمع المدني في مصر تقدم خدماتها لكل المصريين بدون تمييز بين اللون أو الدين أو العقيدة، لقد كان أهم الشروط عند إنشاء هذه المؤسسة أن تتجاوز الأشخاص والمكان لتبقي وتستمر لأكثر من خمسمائة عام وبالأجيال الجديدة تستمر لآلاف السنين، وصباح السبت الماضي كنت أحد الحضور لمشاهدة الاحتفال بالمعرض الدولي الذي يوثق لإنجازات دار الإفتاء المصرية في العشر سنوات الأخيرة من عمر الدار منذ اعتلي رئاستها د. علي جمعة مفتياً للجمهورية، وقد شهد المعرض لفيف من الشخصيات الدينية و الفكرية والإعلامية المصرية والعربية والدولية التي شهدت لفكره وأعماله، لقد انتقلت الدار خلال هذه السنوات نقلة حضارية رفيعة المستوي بتفاعلها مع كل قضايا المصريين بالداخل والخارج والتي نبعت من استقلال دار الإفتاء عن وزارة العدل مالياً وإدارياً منذ عام 2007 وهو ما لا يعلمه الكثير من الناس، وكان لهذا الاستقلال تأثيره الكبير في توسعها وانتقالها لنموذج الإدارة الحديثة الذي يعتمد علي التوسع الكمي والكيفي مما أتاح استحداث إدارات جديدة كأمانة الفتوي والإشراف العلمي وإدارة التدريب وإدارة الحساب الشرعي ولجنة فض المنازعات والمركز الإعلامي وغيرها، مما أدي إلي إقبال الناس علي الفتاوي ووصلت أعداد الفتاوي إلي أضعاف ما كان يعرض في السابق.. حيث تم إنتاج أكثر من ثلاثة ملايين فتوي في الفترة من نهاية سبتمبر 2003 وحتي نهاية عام2012م، وحرص د. علي جمعة مع فريق العمل بالدار علي تكوين جيل أول وثان وثالث وحتي الجيل الرابع من الدارسين المتميزين بكليات الشريعة لإعدادهم لتولي المسؤولية في المستقبل واستكمال المؤسسية في العمل، مما يزيد من قوة دار الإفتاء وتواصلها وفاعليتها علي المستويين الإقليمي والدولي، ويرسخ الريادة والدور العالمي لمصر ولذلك أصبحت دار الإفتاء في عهد د. علي جمعة نموذجا يحتذي به في العمل الإداري وهو ما كان مفتقدا في كثير من الهيئات المحسوبة علي المؤسسة الدينية في العالمين العربي والإسلامي. لقد أراد د. علي جمعة أن يستفيد العالم كله من مكانة مصر وقدرها، ولأنه قارئ جيد للتاريخ ومهتم بالحفاظ علي التراث ولأنه وكما قال عنه المفكر الإسلامي محمد عمارة " إن د. علي جمعة يملك ذاكرة يغار منها الكمبيوتر.." استطاع أن يطبق ولأول مرة منذ صدوره قانون محمد علي باشا بأن تضع المؤسسات سجلاتها كذاكرة لمصر وللمؤسسة في دار الوثائق المصرية، حيث تم نسخ الوثائق وحفظها بمكتبة الأزهر ومكتبة دار الإفتاء ودار الوثائق القومية والبنك المركزي حتي لا يضيع جهد العلماء علي مدار الزمان، وهو فعلاً كما قال عنه أيضاً د. أحمد عمر هاشم " أن د. علي جمعة أحد الشخصيات النادرة التي تظهر في التاريخ علي فترات متباعدة وأن مصر في مرحلة تحتاج لمثله، مرحلة سادها التفرق والتشرذم والاختلاف والانقسام.. ".. لهذا وللكثير مما قدمه د. علي جمعة الحائز علي العديد من الأوسمة والدكتوراة الفخرية في كثير من جامعات ودول العالم المتقدم تقديراً لدوره في نشر السلام والتسامح بين الثقافات، أردد دائماً.. هذا الرجل أحترمه وأقدِّره.