كم أرجو أن يتجاوب الحزب الوطني الحاكم في مؤتمره السنوي العام الذي سيعقده في ديسمبر القادم بفاعلية واخلاص مع ما يموج به الشارع المصري من قضايا تتعلق بالمصالح الاساسية. لاجدال أن ما يشغل جماهير الشعب يتمحور في العديد من المطالب الملحة المرتبطة بحياتها ومعاناتها وامالها. يأتي في مقدمة هذه القضايا ما شهدناه اخيرا من توحش غير عادي لاسعار الاحتياجات المعيشية اليومية وبصورة لا تتماشي ولا تتناسب مع دخول الغالبية من المواطنين. استشعارا لهذا الامر عقد الرئيس مبارك العديد من الاجتماعات لاحتواء هذه التطورات والعمل علي تخفيف تداعياتها. مايحدث يدفعنا إلي القول بأن الوقت قد حان كي تراجع الحكومة موقفها من الشعارات الوهمية الفضفاضة التي جعلت التعامل في الاسواق يقوم علي اختلاط الحابل بالنابل حيث يمارس من خلاله بعض المنتجين والمستوردين والتجار كل انواع الاستغلال دون أي رقابة أو حساب. الشيء المؤكد فيما جري ويجري ان الاجهزة الحكومية التي تتحمل مسئولية المتابعة والرقابة والتدخل عند الحاجة واقعة فريسة لفهم خاطئ يغذيه المنتفعون من اصحاب السلطة والنفوذ المستفيدين من هذه الاوضاع رافعين اعلام ما يسمي باقتصاديات السوق التي كان يسميها الرئيس مبارك باقتصاديات السوء. ان احدا لا يعترض علي الاخذ بهذا النظام الاقتصادي الذي يسود العالم حاليا والذي يقوم علي اساس اطلاق المنافسة الحرة النظيفة لصالح المستهلك بعيدا عن الاستغلال والاحتكار مثلما هو معمول به في أعتي الدول الرأسمالية صاحبة هذه النظرية. لا جدال ان الأخذ بالنظريات والمباديء يجب ألا يعتمد علي ما يتعلق منها بالقشور والمظاهر وعلي اساس »لا تقربوا الصلاة«.. دون إكمال الآية الكريمة. في هذا المجال فإنه يتحتم علينا أن نستفيد من تجارب غيرنا وأن نتابع ما يأخذون به من تحديث وتطوير للنظريات والافكار وبما يضمن تحقيق الصالح العام وصالح جموع المواطنين. اذا كانت أجهزة الدولة غير قادرة علي مواجهة اباطرة وحيتان الاسواق الذين تضخموا وتضخمت معهم ثرواتهم بصورة جنونية فلا أقل من الاقدام علي مبادرة ايجابية تستهدف إنعاش وتنشيط المجتمع المدني الشعبي ومساعدته علي القيام بواجباته في مراقبة الاسواق وقيادة موجات المقاطعة عند التجاوز في تحديد اسعار السلع ويُشتم منها رائحة الاحتكار والاستغلال. ان الحكومة وأجهزتها وبناء علي ما سوف يتخذه مؤتمر الحزب الحاكم مطالبة بأن يقوم خبراؤها بدراسة تجربة الدول الرأسمالية في مواجهة المشاكل التي أفرزتها اقتصاديات السوق. ان التحرك في هذا المجال يجب ان يتسم بالحسم والمرونة وهو ما جسدته معالجات كبري الدول الرأسمالية لتداعيات الازمة المالية والاقتصادية العالمية التي هزت أركانها ودفعت بها إلي تغيير فلسفة انظمتها الاقتصادية. لقد كانت الحرية الاقتصادية المطلقة هي السائدة ويحظر بمقتضاها أي تدخل من الدول في أي مرحلة من مراحلها. أحد شواهد هذا التحرك الذي يشير إلي الحيوية والخروج من القوالب الجامدة ما اتخذته هذه الدول من اجراءات للرقابة ووقف فوضي ممارسة البنوك والشركات الكبري لنشاطها وادارتها وصرف المرتبات والاجور الباهظة. حدث ذلك بالتدخل الفاعل الي درجة شراء جانب من أسهمها لاحكام السيطرة عليها بعد تعرض البعض منها للافلاس والانهيار. ان مسئولية مؤتمر الحزب الوطني هو مساندة ومتابعة الحكومة من خلال العمل القائم علي الخبرة والحكمة والذي يعكس نبض الشارع لتحقيق الصالح الوطني ومصالح الجماهير بعيدا عن النزعات الشخصية والفئوية.. أن هذا المؤتمر يكتسب اهمية قصوي خاصة أنه يأتي بعد الانتخابات التشريعية في نهاية الشهر القادم والتي لها وزنها واهميتها وتأثيرها علي مستقبل هذا الوطن. ان المواقف والقرارات التي من المفروض ان تصدر عن هذا المؤتمر لابد ان تستجيب لكل ما تزخر به الساحة الشعبية من مطالبات. في هذا الاطار فانه من المهم مراعاة ألا يكون ما يخرج عن هذا المؤتمر هو مجرد قرارات مظهرية وانما المهم ان تعطي احساسا بالمصداقية التي تحظي بثقة الشعب باعتبارها المحك الاساسي في كسب أصوات جماهيره في الانتخابات.