محمد عبد الوهاب خفاجى رحل عن دنيانا منذ ايام بلا ضجيج المرحوم المستشار حسين السماك نائب رئيس مجلس الدولة السابق وقد شرفت بالعمل معه بمحكمة القضاء الاداري بالاسكندرية عام 2001 في ظل اوج عصر النظام السابق، وكنت حينئذ اصغر عضو بالمحكمة. وقد رأيته انسانا بكل معاني الكلمة وصاحب مدرسة قوية تعتمد في المقام الاول علي تحقيق العدالة قبل تطبيق النصوص وعلي القدرة علي الابداع والخلق، فالقضاء الاداري هو في المقام الاول قضاء انشائي و اعترف انني تتلمذت في مدرسته الفريدة ونهلت منها عذبا فراتا,فقد كنت ملازما له حتي في افكاره واحلامه نحو الحرية وارساء قواعد الديمقراطية وقد علمنا العلم النافع المفيد، لصالح الناس ضد عسف السلطات، وله احكام عديدة تاريخية منها الزام الدولة بعدم الاعتداء علي بحيرة مريوط كمحمية طبيعية منذ عصور قديمة ومنها احكام عديدة اخري بحقوق المواطنة في الترشيح لمجلس الشعب بعد ان استبعدت المحكمة حينذاك معارضيها وقد استفاد منها الكثير من جماعة الاخوان المسلمين في ذلك الوقت و حكم باستبعاد امين الحزب الوطني الديمقراطي من الترشيح لكون الشروط لا تنطبق عليه في وقت كانت الحكومة فيها جبارة عتيدة علي الشعب واحكام لصالح طلاب الجامعات وحقوق المرأة وقضية القنصل الاسرائيلي وغيرها من الموضوعات المهمة.. واتذكر انه في نهاية العام القضائي عام 2001 كتب لي خطابا تحديدا في 4 اغسطس 2002 في مدينة مارينا السياحية كانت شهادة لي، وها انا اقدم لروحه الطاهرة شهادة ايضا لكن عن عصر ذلك الرجل العظيم قال لي فيها ( يطيب لي ان اعبر لكم عن امتناني بل واعجابي الشديد بكم بعد تجربة مداها عام قضائي كامل كنت فيها صفحة مقروءة لي فنظرت اليك فوجدت فيك مشروعا صالحا للعمل والابداع والخلق الجديد فأخذت علي عاتقي تنمية هذه الموهبة وهذه العبقرية التي تجلت وضوحا في اعمال قد تفوق الحصر وبدا التميز يدب فيك يوما فيوما حتي غدا صفحة تحتويك وكانت الاحكام التي وزعت عليك قد شهدت بناء جديدا لعمارة الاحكام التي تؤرخ لهذا العهد القضائي الجديد- لقد اردت بكتابي هذا ان يكون شاهدا عليك وحكما لاعمالك فالمساواة تظلمك والتميز ينصفك فنحن في عصرنا الحاضر احوج ما نكون الي المفكرين المجددين في احكام القضاء لتساير الحرية والديمقراطية-) وهاانا استاذي الراحل اقدم لروحك الطاهرة شهادة وفاء من تلميذ يعرف قدرك العظيم، فانت من سلالة طيبة ووالدك العارف بالله سيدي علي السماك افاء عليك بنفحات من الطهر والبصيرة لاحقاق الحق ونصفة المظلومين لقد علمتنا ان نزهد في المناصب لانها تزول لكن منح الناس حقوقهم لا يزول وعلمتنا ان من ذكر الله كان في امان، وعلمتنا الا نطمع في هذه الدنيا بالاقامة فيها فالبقاء فيها مستحيل ولا يبقي احد الا الله، كان الفقيد رجلا عظيما ويدين تلاميذه وانا اولهم بالفضل الكبير رحم الله حسين السماك. وفي لقاء معه قبلت رأس المستشار حسين السماك ولم اكن ادري انها قبلة الوداع.