فرسان التقاضي والتصالح، وأبطال الاختلاف والائتلاف المجتمعي، وحمادة الاقوياء والضعاف-الابرياء منهم والآثمون علي السواء- وايضا منهم الدراسون المدققون في غير تخصصهم، لعلهم يجدون عثرة فنية تخدم دفاعهم للتوصل إلي الحق، ومنهم من تولي الدفاع عن الوطن في المحافل الدولية، ومن ناضل عن العقائد والمقدسات، ومنهم من تطوع أو انتدب للدفاع عن مجهولين عجزوا عن ايجاد من يدافع عنهم. فالمحامون وسائط يرتاح اليها القضاء لاستجلاء الحق، واستكشاف الباطل، والتوصل علي حكم عادل ونافذ المفعول، وهم ايضا المؤتمنون من موكليهم إلي اموالهم ومصالحهم، وكيان اسرهم، ولاشك في أنهم الطرف الثالث في »ثلاثية التقاضي«. وكما ان علي القضاة الالتزام بنصوص القانون والشريعة، بجانب القناعة واستقرار الوجدان، فإن لهم منهجا خاصا، ودخلا ماليا معينا ومرقوما، فكذلك علي المحامي الحر أن يلتزم بسلوك يتفق وحرمة القضاء، وان يبذل جهدا في تناول مشاكل موكليه، والتعامل معهم بصراحة ونزاهة، تتفق ومطلق حريته في تقدير اتعابه بالقدر المناسب لمدي اجتهاده، وذلك الفارق المادي يشكل مسافة بين العمل بدخل مقيد، وبين العمل الطليق من القيد مما يزيد من جلال القضاء ويعظم مسئولية المحاماة. غير ان جميع الحقوقيين يشتركون في أمر لامراء فيه. فإن عليهم عبء التزود بالعلم، وهو أساس قوام رجال القانون الذي يذكرنا بنصيحة الاستاذ الراحل الدكتور وديع فرج بقوله: »رسوخك في القانون يتعلق بمدي اطلاعك خارج القانون« فالتنازع هو نتيجة لمخالفة القانون، اما طبيعة النزاع فلها اسباب وأعماق لايجوز لرجل القانون ان يغترب عن الالمام بها بالقدر الكافي للفصل بموجبها، أو للدفاع، ان يترافع عنها. فالمحاماة والقضاء، لايتحركان في اثر المخالفة أو الجريمة فحسب، بل عليهما واجب الفهم للظواهر التقنية، للتحدث بلغة العدل، مثال ذلك التعرف علي مختلف الاعيرة النارية والاسلحة البيضاء وأشكال اثارهما، كما يجب التعرف علي تأثير مختلف السموم الشائعة، وعلي ادوات الغش الغذائي والدوائي، حتي وإن اقتضي دراسة خاصة لاتترك لتقارير الخبراء وحدهم، بل علي الحقوقيين مناقشتها عن دراية وعلم، وذلك هو محتوي القسم الذي يقسمه المشتغلون بالقضاء، والذي يخلو منه قانون المحاماة، اكتفاء بالقانون الخاص 71/3891، وهي نصوص لاتغني عن القسم، اذ يجيء في المادة 26 أمر بالتزام المحامي بمباديء الشرف والاستقامة والنزاهة وآداب المحاماة وتقاليدها- التي لم يرد بشأنها تفصيل- كما يؤمر بالدفاع عن مصالح موكله، وان يبذل غاية جهده وعنايته، وأن يمتنع عن أداء الشهادة عن وقائع يعلمها أو يدلي بتصريحات عن القضايا التي يتولي الدفاع فيها، لأن في ذلك افشاء لسر المهنة، وأن تكون علاقته بالهيئات القضائية قائمة علي التعاون والاحترام المتبادل، وكذلك في معاملة زملائه، مراعاة لتقاليد المحاماة- التي لم يرد عنها شيء- وان يبتعد عن وسائل الدعاية أو الترغيب أو استخدام الوسطاء أو الايحاء بأن له صلة حقيقية أو مزعومة- ولم يرد شيء عن طبيعة وجهة هذه الصلة- أو الاشارة إلي منصب سبق ان تولاه، ولايجوز أن تخصص له حصة لاتعابه من المال المحكوم به لموكله، أو أن يبتاع بعضا من الحقوق المتنازع عليها. كما لايجوز ان يتخلي عن القضية في موعد غير لائق، وبلا مسوغ. أما عن الواجبات الانسانية، فالمادة 46 تقضي بأن يقدم المحامي المساعدات القضائية للمواطنين غير القادرين، وأن يؤدي واجبه بنفس العناية التي يبذلها اذا كان موكلا بأجر، وهو غير ممنوع من عضوية مجلسي الشعب والشوري أو المجالس المحلية، ومحظور عليه تولي الدعاوي التي ترفع عليها. وعلي العموم، فالرأي ان ذلك القانون يحتاج إلي مراجعة، سواء بالاضافة أو التعديل أو الحذف، إمعانا في التحلي بالوقار الواجب ان يحذوه أبناء وبنات المهنة، حتي لايفقدوا موكليهما وقضاياهم وأنفسهم!.. وللحديث بقية.