لا الوزير أبو ذقن نافع ولا الوزير اللي من غير ذقن .. لا الوزير الليبرالي ولا الاخواني ..لا المهندس ولا الصنايعي ..لا استاذ الجامعة ولا العطشجي .. الفترة الوحيدة التي لم تشهد فيها السكة الحديد أي حادث هي الفترة التي لم يكن فيها وزير للنقل .. لذلك أصبح الحل الوحيد للقضاء علي حوادث القطارات هو الغاء وزارة النقل. وعلي ما يبدو فان المصريين باتوا علي موعد مع الدم والدموع والاحزان علي شريط السكة الحديد الممتد علي طول خمسة آلاف كيلو متر . السكة الحديد المصرية الأولي في العالم بعد مخترعتها انجلترا أصبحت هي الأولي بجدارة في العالم في عدد الحوادث وأعداد الضحايا.. والأولي بجدارة علي العالم في انتاج القنبلة النووية الفتاكة التي اسمها : الاهمال. حلقة جديدة من مسلسل "دماء علي شريط القطر" .. النجوم هذه المرة مختلفون . فالوزير تغير ورئيس الهيئة أيضا . المسرح تغير.. كما أن المتهمين قد تغيروا أيضا ولم يعد عامل مزلقان أو مراقب حركة وانما مجرد مسمار يربط بين عربات القطر انفك في لحظة لتنفصل العربة الأخيرة عن القطار وتصطدم بقطار بضائع .. ليفتح الحادث بابا للتساؤل هل هو حادث عارض ناتج عن اهمال في الصيانة اعتدناه في كل شيء أم أن هناك أيادي خفية وراء وقوعه. هذا الحادث هو السادس أوالسابع منذ أول يوليو الماضي.. وماتفهمونيش غلط .. ولكننا في كل حادث نسمع ونقرأ ونشاهد نفس الكلمات والتصرفات ومازلنا علي هذا الحال.. الاهمال هو السبب.. فساد النظام السابق هو السبب.. تطوير السكة الحديد يحتاج الي مليارات .. محاسبة المسئولين ..اعانات للموتي والمصابين .. وتعليقات من العقلاء والمجانين. في كل مرة نجد التليفزيون المصري آخر من يذيع الخبر ويكتفي بعرض فيلم لاسماعيل ياسين خاصة ان كان الحادث متأخرا ورئيس التليفزيون نائما .. ثم يسألون بعد ذلك لماذا هرب المشاهدون من التليفزيون المصري الحكومي. أما موقف الجيش والشرطة من الحادث مع احترامنا لهما وقياداتهما فكان يدعو للأسف .. فكل طرف ألقي بالمسئولية علي الآخر .. طرف قال إن ركاب القطار مجندون بالقوات المسلحة خرجوا من مركز التجنيد الي أحد معسكرات الأمن المركزي .. والآخر قال إنهم تابعون لوزارة الداخلية ولسنا مسئولين عنهم .. بالتأكيد هناك طرف منهما يتهرب من المسئولية وهو مالم نكن نتمناه .. فركاب القطار.. الضحايا منهم والناجون هم أولا وأخيرا شباب مصري من حقهم علي الوطن أن يعاملوا بنفس ما يعامل به اعلي مسئول بالدولة ..علي الأقل هؤلاء هم من يحموننا من الخارج أو الداخل. ومع ان الرئيس مرسي نفسه وقت ان كان نائبا في البرلمان لم يرحم رئيس الوزراء ولم يخله من المسئولية عن حوادث القطارات ودائما كان يطالب بعزله ومحاكمته الا أنه لم يشر بشيء الي الحكومة الحالية في أي من الحوادث السبعة التي وقعت في عهده. وهنا لابد أن نسأل أنفسنا : من يتحمل المسئولية عن هذا الحادث. فاذا كان المسئول عن كل حادث هو عامل التحويلة أوملاحظ الحركة أو خفير المزلقان..أبشركم بحادث كل اسبوع .. واذا استمررنا في القول بأن الرئيس أو رئيس الوزراء مش مسئول لأنه مش هو اللي كان سايق القطر ..أبشركم بحادث كل يومين .. واذا قلنا زي ماقال صفوت حجازي بأن حادث البدرشين لا يستحق كل هذه الضجة الاعلامية .. أبشركم بحادث كل يوم. أما أنا فلي تساؤل خاص أردت أن أسأله منذ 37 سنة وقت أن تقرر ترحيل دفعتي في التجنيد الي كلية الضباط الاحتياط في إسنا . وقتها ركبنا أسوأ قطار في الدنيا .. لا مقاعد ولا نوافذ ولا دورات مياه واستمرت الرحلة 24 ساعة وكانت في شهر ديسمبر لأعيش أسوأ يوم في حياتي كلها . أما السؤال فهو لماذا لانحترم آدمية الناس الذين يقدمون أغلي مالديهم من أجل هذا الوطن.. لماذا لا نعاملهم بإنسانية ورحمة ونوفر لهم علي الأقل وسيلة مواصلات آمنة ونظيفة وكريمة وانسانية. أرجو ألا نسمع مجددا أي كلمات رثاء فقد مللنا الرثاء ..ولا أي كلام من نوعية سنحاسب المسئول أو سنضع خطة لتطوير السكة الحديد .. زهقنا من كل هذا .. فقط نريد أن نشعر بأن المسئولية هي مسئوليتنا جميعا لا يتهرب منها أحد.. فالإهمال يعيش بداخلنا ونتعامل معه كأنه جزء من حياتنا .. ونحن نسميه" خليها علي الله" ولكننا بهذ السلوك نكون أبعد الناس عن الله.