د. أحمد نوار تناولت قلة من الفنانين المصريين رسم أو نحت بعض الرموز في المجتمع، أم كلثوم واحدة من أهم الشخصيات التاريخية التي حظيت بالتسجيل والتوثيق عبر مشاعر بعض الفنانين فمختار جنح تجاه الشخصيات الوطنية، والسجيني جمع بين الشخصيات الوطنية والفنية.. وكانت أم كلثوم قابعة علي تاج الابداع عند السجيني ليس فقط لشهرتها بل لعظمة وروعة هذا التمثال الذي أعتبره »كتلة ناطقة بالجمال« وعبقرية إحساس فنان.. وعمقا تعبيريا فنيا، هذا جزء مما أشعر به، شاهدت عشرات اللوحات وبعض المنحوتات لمطربة الشرق أم كلثوم.. لا توجد مقارنة أبدا. والسجيني كونه نحاتا أصيلا مثقفا تكمن فيه طاقة دون حدود وحس مشحون ومدفوع بهالة روحية، لذلك استطاع بإقتدار وعمق وحكمة إبداع هذا التمثال الذي يعد في مصاف التماثيل النادرة في العالم، ليس من الصعوبة علي نحات متميز نحت تمثال لأم كلثوم، ولكن الصعوبة تكمن في طاقة الفنان الروحية وثقافته وخبرته الذاتية وتأمله الثاقب في الشخصية حتي يستطيع استدعاء مابداخلها لتمكينه من السيطرة علي ملامح ذاتها الداخلية.. ليلتمس صدي ورنين صوتها الذي يتحول بفعل المثال السجيني إلي قوام وبناء ذات الأبعاد الثلاثة يملأ الكون، ويفيض بالنفس والذات الإنسانية، فهنا أستطيع بجلاء أن أستعير المعني البليغ للمفكر الراحل »ثروت عكاشة« »العين تسمع والأذن تري« هكذا الحال بجوهرة السجيني التي تركها للأجيال والتاريخ والعائلة البشرية - بصمة دامغة - لعبقرية فنان وترك السجيني درسا قوامه ممتد ليتعلم الواعدون من الشباب، وللفنانين عموما، درسا قدوة حاسم بدون مواربة، ونموذج حي لمسيرة فنان ذي قامة عالية، قرر السجيني أن ينحت تمثاله برؤية البناء التراكمي من خلال عناصر متكررة توحي بإيقاع موسيقي.. يتمثل في الشكل الهرمي المزخرف بأشكال هندسية وبعض حروف النوتة الموسيقية، عمق الحس ومهارة الاداء في التأليف البنائي ومعزوفة الأشكال الهرمية مع بعض العقود الاسلامية تذكرنا بالمقرنصات الذهبية في أسقف العمارة الاسلامية.. كما يظهر القبو الذي يتوسطه مكان القلب وبقوة تعبير يدها ضاغطة علي القلب كأنها تستدعي وتستمد منه طاقة ودفء المشاعر.. كأن الصوت آت من القلب مدفوع من البناء التصاعدي للجسد.. حتي المنديل الذي تميزت به مسدول في رقة كأنه نابع من القلب وهو نقطة الارتكاز والانبثاق الشعوري، وتأتي علامات الانصهار علي وجه أم كلثوم وبساطة الاداء وقوته للتعبير عن جمال الصوت وصداه الكوني، ومعالجته للرأس بحليها وارتباطها بالجسد علاقة معمارية انسانية متزنة، وبعبقرية فذة واحساس متدفق عالج تأثير الاحبال الصوتية في الرقبة وهي تشدو - علي شكل تموج مياه نهر النيل - كما نحتها المصريون القدماء وكما نحته السجيني في تمثال النيل.. التعبير عن عظمة أم كلثوم وهي تشدو بفيضان نابع من القلب، معالجة بليغة بكل المقاييس، وميل التمثال إلي الأمام بفعل يؤكد علي حالة شعورية لاندفاع طاقة المشاعر، وكما تبدو واجهة التمثال البنائية كأنها قصر يفيض بمعزوفة حروفها الموسيقية حضارة شعب، وتنبثق يدها اليسري المشدودة إلي أسفل مع حركة الكف الرقيقة لتقود بها فريقها الموسيقي بحساسية رائعة الجمال التعبيري، تمثال أم كلثوم للمثال جمال السجيني نابض بالصوت الجميل.. دافئ بطاقته المكنونة في علاقات عناصره التي تتحد في إيقاع موسيقي ذات الثلاثة أبعاد.