عبدالقادر شهيب منذ ان كشف الاعلام في نهاية الشهر الماضي امر استقالة د. فاروق العقدة محافظ البنك المركزي من منصبه والجنيه المصري لا يتوقف عن الانخفاض.. ففي غضون بضعة أيام فقد الجنيه نحو 6٪ من قيمته أمام الدولار.. ولذلك كان أمرا مفهوما ان يثور القلق حول مستقبل الجنيه بعد الاعلان عن قبول استقالة د. فاروق العقدة، لان انخفاضه يترجم تلقائيا بارتفاع في اسعار كل السلع والخدمات، بلا استثناء سواء المستوردة من الخارج أو المنتجة محليا، في وقت ينوء فيه كاهل الفقراء و اصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة بعبء التضخم. غير ان د. العقدة لا يبدي انزعاجا حول مصير ومستقبل الجنيه.. وقال لي بعد قبول استقالته انه عندما تسلم مسئولية ادارة البنك المركزي قبل نحو تسعة اعوام كان الجنيه يعاني من انخفاض حاد مستمر، وكان سعر الدولار في السوق المصري اكبر منه الآن، حيث كان يتجاوز السبعة جنيهات.. غير انه بالاصلاح النقدي والمصرفي عاد الجنيه للارتفاع مجددا في مواجهة الدولار حتي وصل سعر الاخير إلي أقل من ستة جنيهات علي مدي عدة سنوات.. ويضاف إلي ذلك ان هشام رامز الذي رشحه العقدة ليخلفه في منصبه متمرس في ادارة السياسة النقدية وبالذات سياسة سعر الصرف. لكن ما يزعج د. فاروق هو مستقبل الاقتصاد المصري في ظل التوتر والاضطراب السياسي الذي تعيشه البلاد منذ عامين وحتي الآن.. فهو يحذر من ان استمرار هذا التوتر والاضطراب السياسي سيقود الاقتصاد المصري إلي كارثة لا قدر الله.. لان هذا المناخ يجعلنا نفقد أهم مصادرنا من النقد الاجنبي، وهما السياحة والاستثمار الاجنبي.. فنحن خسرنا نحو ثلث مواردنا من السياحة خلال العامين الماضيين، اما الاستثمار الاجنبي فقد خسرناه كله، وسجل صفرا خلال ذات الفترة. وبالطبع نحن لا نستطيع ان نعيش فترة طويلة علي المنح والمساعدات والودائع القطرية والسعودية والتركية لدي البنك المركزي.. ان استمرار هذا مستحيل، فضلا عن ان هذه المساعدات ذاتها لم تمنع من استمرار انخفاض في احتياطياتنا من النقد الاجنبي، وبالتالي الانخفاض في قيمة الجنيه. وهكذا.. ان ازمتنا الاقتصادية تحتاج لعلاج سياسي اساسا ثم يأتي بعد ذلك العلاج الاقتصادي.. وهذا ما ظل علي مدي عامين يكرر قوله د. العقدة. واذا كان هذا العلاج السياسي قد تعذر خلال الفترة الانتقالية، فانه يجب الا يكون صعبا بعد انتهاء هذه الفترة وصار للبلاد رئيس منتخب.. والسبيل للوصول إلي هذا العلاج السياسي هو الحوار بين كل الفرقاء السياسيين.. الحوار الجاد والحقيقي الذي يضم كل القوي الفاعلة، ويتفهم كل من يشارك فيه ان نجاحه مرهون بتقديم التنازلات المتبادلة، وذلك للالتقاء في منتصف الطريق والتوصل إلي حلول وسط لكل الخلافات السياسية.. فليس حوارا ذلك يفرض فيه طرف رأيه وارادته وحده، دون مراعاة لرأي وارادة الفقراء الآخرين.. وليس حوارا ذلك الذي يستبعد الفرقاء الاساسيين والفاعلين سياسيا. اذا حدث ذلك وظفرنا بحوار سياسي حقيقي وجاد سوف ننقذ الجنيه من هبوطه، بل سوف ننقذ اقتصادنا كله من أزمته العاتية.