هل ستنهار العولمة..؟ هل سيتم إعادة اختراع العالم..؟ ماذا يحمل لنا المستقبل القريب..؟ وأسئلة كثيرة جاوب عنها الصحفي والروائي والمفكر السياسي المعاصر الكندي جون راسلتون سول قبل خمسة أعوام من بدء ثورات الربيع العربي في كتابه »انهيار العولمة وإعادة اختراع العالم« الذي قام بإهدائه إلي الجيل القادم في هذا العالم الغريب..! منذ صدور الكتاب عام 2005 ولعدة أعوام كان من أفضل الكتب المثيرة الموزعة عالمياً ومصدر إثارته أنه يشخص العولمة قبل انهيارها الفعلي مع زلزال الأزمة المالية الاقتصادية التي زعزعت العقيدة والكيانات العالمية منذ السنوات القليلة الماضية، وقد ترجمه للعربية الكاتب العروبي المتميز والخبير في الإعلام والترجمة الدولية بالأمم المتحدة محمد الخولي ونال عنه جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة في مايو 2010 أي قبل قيام ثورات الربيع العربي بشهور قليلة، في جلسة ضمتنا محمد الخولي وأنا في نوفمبر من العام نفسه أهداني الكتاب وامتد الحديث بيننا لعدة ساعات حول تحليلات المفكر السياسي جون سول عن الحضارة وهيكل السلطة في الغرب وما يتفرع عنها من قضايا ثقافية ومعرفية وما لحق بها من فساد تحولت به النظم السياسية إلي خدمة جماعات المصالح واحتكارات القلة علي حساب الصالح العام والقطاع الأوسع للمواطنين، قدم الكتاب في نسخته العربية د. حامد عمار الذي رأي أن الكتاب من أهم الكتب والدراسات التي سعت إلي تقييم النظام العولمي في محاولة للتعرف علي مصادر قوته وضعفه وفي تحديد مبادئه ومنطلقاته وفي تأثيراته الكونية علي مجالات الاقتصاد والسياسة والأحوال الإجتماعية والإنسانية للبشر والعمران، فمن الكتاب والمفكرين من رأي في العولمة تحولاً حضارياً هائلاً ومنهم من تساءل حول إمكانية أن تستمر حقبة طويلة من الزمن ومنهم من أقام توازناً بين منجزاتها ومواطن فشلها، ولكن في منتصف تسعينيات القرن الماضي تكاثرت الكتابات والتحليلات حول توقعات انهيار العولمة وما قد تخلفه من فراغ حضاري إنساني لمستقبل مجهول محفوف بالمخاطر عديد الاحتمالات، لقد استمد الكتاب مصداقيته كما قال د. حامد عمار من دقة التحليل وعمق النظرة التي استشرف المؤلف من خلالها آفاق ظاهرة العولمة وحذر من تكريس النشاط المالي علي حساب الإنتاج ومن اعتبار النقود أصولاً أساسية بدلاً من اعتبارها وسائل للتعامل وأداة للتبادل وهو ما أفضي إلي الأزمة المالية وتداعياتها في أركان شتي من عالمنا وقد نبه جون سول إلي خطورة تحويل العولمة من ظاهرة في التطور الاقتصادي والإعلامي إلي ما يشبه الإيديولوجية أو العقيدة الدينية حيث الانفلات من النظم والضوابط. بدعوي تحرير التجارة والاقتصاد ومن المغالاة في دور المديرين ورؤساء مجالس الإدارات علي حساب دور الدولة بمؤسساتها وقوانينها التي تكفل حماية النشاط الاقتصادي للمجتمع من أطماع الأفراد وتطلعهم إلي الامتيازات المادية والمعنوية علي حساب الصالح العام.. فهل كان المؤلف يطرح آراءه ويسوق أفكاره في إطار يجمع بين عمق التحليل والموسوعية الثقافية والاستدلال بالأمثلة التاريخية الواقعية ودقة استسراف المستقبل..؟ لقد اشتمل الحديث بيني وبين المترجم العالمي محمد الخولي حول الحواشي التي أضافها للكتاب والتي اشتملت علي أهم التعبيرات والمصطلحات السياسية والاقتصادية وتعريفها ومعانيها وهو مااستحق عليه الجائزة العالمية للترجمة من منظمة اليونسكو التي مازالت حريصة علي مشاركته في مختلف أعمالها والتي مارس المهنة في رحابها لأكثر من ثلاثين عاماً، وتطرق الحديث بيننا إلي الأوضاع في مصر والمنطقة العربية ولنتفق معاً أن الأجيال الجديدة من الشباب أكثر وعياً وفكراً وبعد هذا اللقاء بأقل من شهر تبدأ الثورة التونسية والمصرية وتتبعهما باقي ثورات الربيع العربي بأيدي الجيل الذي أهداه جون سول كتابه قبلها بسبعة أعوام.