ما كنت أحب أن أكتب هذا الكلام في يوم من الأيام.. وما كنت أحب أن أري مصر في هذا الموقف الصعب الذي تتهدد فيه بالافلاس. ولكن الأمل الوحيد الذي يبدو أمامي هو أن سبب المشكلة هو نفسه سبيل الحل .. شعب مصر. انشغل الناس بالانتخابات برلمانية ورئاسية وبالدستور وجمعيته والاستفتاء وقضاته والمليونيات وضحاياها. انقسم الناس بين التحرير ومحمد محمود والاتحادية ومصطفي محمود وماسبيرو والنهضة وسيمون بوليفار ورابعة العدوية ومدينة الانتاج الاعلامي. كل جماعة أخذت "حتة" وعسكرت فيها .. وأخذت تقذف الاخرين بالطوب والحجارة والسنج والمطاوي والخرطوش والرصاص الحي. وتحولت تلك الاماكن الي مزابل وخرائب ودورات مياة مفتوحة والله أعلم بما كان يجري فيها. وكنا نقول دائما .. ياعالم ..يا هوو .. مصر تئن ..تتوجع ..تتألم ..تصرخ ..فهل من منقذ لها .. مصر التي كانت تتحدث عن نفسها أصبحت تولول علي نفسها .. وبدلا من أن نعمل علي انقاذها وراحتها اذا بنا نزيد جراحها جراحا .. وبطلنا شغل .. مرة بمزاجنا ومرة لأن مفيش شغل .. عطلنا القطارات وأغلقنا الطرق.. وكأننا أقسمنا بيمين الله علي أن نحول بلدنا الي خرابة. شيء لم يفعله بمصر اي من الغزاة أو من سكنوها أو حكموها من الأجانب.. ولكن لنا الفخر أننا نحن الذين خربنا مصر بأيدينا وليس بأيدي غيرنا . من أجل كل هذا لم نفاجأ بما أعلنته مؤسسة ستاندرد أند بورز العالمية المعتمدة للتصنيف الائتماني للدول والمؤسسات المصرفية عن التصنيف الائتماني لمصر. ينقسم جدول التصنيف الي الدرجة الأكثر أمانا والدرجة عالية الأمان وهي التي تعطي الحرف "A" ثم الدرجة متوسطة الأمان والأقل من المتوسطة وهي التي تعطي الحرف "+B" ثم درجة قليلة الأمان والتي تعطي الحرف "B" ودرجة الدول الخطرة ائتمانيا وتعطي الحرف "B-" يليها الدول المتعثرة وتعطي الحرف "C" والدول شديدة التعثر أو المفلسة وتعطي الحرف"D". وتنقسم كل درجة الي مراحل. كانت مصر ولفترة طويلة بين الدول المتوسطة ائتمانيا وتعطي تصنيف "BB+" ولكنه في عامين انخفضت في التصنيف ست مراحل لتصل الي "B-". هذا يعني اننا علي شفا الحرف "C". ولو سرنا بالمعدل الذي سرنا عليه خلال ال24 شهرا الماضية فاننا لن نحتاج الي أكثر من ستة أشهر حتي نصل الي الدرجة"D". وساعتها سيصبح الاقتصاد المصري أطلالا .. كان صرحا من خيال فهوي . الأسباب كثيرة ومعروفة .. اضرابات تتحول الي صدامات وضحايا يسقطون.. توقف جزئي للانتاج في كثير من القطاعات وتوقف كامل في قطاعات أخري مثل السياحة والعقارات والاتصالات وغيره.. هبوط أو انهيار في البورصة بلغ أكثر من تسعين مليار جنيه.. وتاكل واضح في الرصيد الاحتياطي للنقد الأجنبي الذي انخفض من 36 الي 21 مليار دولار يعني 15 مليار دولار.. بمعدل 650 مليون دولار كل شهر . انخفاض التصنيف الائتماني لأي دولة يجعلها في أزمة مع المؤسسات المصرفية والبنوك والشركات العالمية ويقلل من حظوظها في الاستثمارات أو القروض والمنح . وبالنسبة لمصر فان بعض الدول أعلنت تراجعها عن تخفيض مديونيتها وربما يتراجع صندوق النقد الدولي عن القرض الذي توصلت اليه الحكومة معه والبالغ 4.8 مليار دولار شعب مصر الذي انقسم وانقصم قادر علي أن يلتئم ويلتحم من أجل الخروج من هذا الموقف الصعب.