ينزف القلب، وينفجر من أعصابنا الحزن، وسيناء تبقي مهما حاصروها أو سجنوها، إنها الأرض التي تستعصي علي كل معتد أثيم، وهي الجرح المصري القديم، غير قابل للانفصال عن جسده الممتد والمغروس في قلب العالم. وكل المحاولات التي أضمرها أشرار هذا العالم من داخلنا أو خارجنا تبوء دوما بالفشل، نعم لقد سجن الغزاة والمحتلون الآثمون سيناء أعواما، لكنها عادت في كل مرة، حين ترتوي من الدماء العطشي لها، دماء الأحرار الذين لا يعرفون تجارة الوطنية أو ارتداء مسوح الثورية، ها قد عادت رغم تخلي أشقائنا وأحبتنا عنها وعنا، وتكاثر الأعداء علينا ولو كتموا ذلك وغلفوه في خبث الطوية. وفجر التاريخ يعرف سيناء أكثر منا، أنها أكثر التصاقا بالنيل واهتداء به، وحين تشرق الشمس علي العالم، تشرق من هناك حيث كل شئ ثمين، الرمل والهواء والأشجار والجبال، كلها من طور سينين تستمد إلهام السماء، لذلك أصبح أمرها فوق احتمال البشر وتدابير النهي، ولو استطاع الذين أرادوا ان يخرجوها من التاريخ ويحولوها الي أرض مشاع لفعلوا، وبرغم غفلة الطغاة والجبارين الذين حكموا مصر عن سر سيناء الطاهرة فإنها لم تهب برقتها لغير أصحابها، مصر هبة سيناء فالأرض مقدسة والأجواء مقدسة، ألم يخلع نبي الله موسي نعليه، حين كان بالوادي المقدس طوي؟!. وكانت المعجزات تتري كأنها من الغيب تأتي منه صفوف ملائكة أبرار، يرتلون ويقدسون ويسبحون، إنما سيناء هي التي تحرسنا ونحن غافلون، وقد يكيد الاعداء علي الحدود أو من البعد، لانتهاك حرمتها مرة أخري، وهاهي تستصرخنا في كل صباح عندما يزداد جرحها، ومن العمق يزداد جرحنا، نعم اليهود يريدونها إما عدوانا واما اتفاقا، وهل كانت معاهدة السلام معهم إلا نوعا من القيد والاغلال التي أحاطت بسيناء وكبلتها من أطرافها فلم تعد الي الحضن حتي الآن كما ينبغي، ولا أبالغ إن استرابت الافئدة حول السيادة الكاملة لنا عليها، فهل أكون مخطئا وتكون هذه الريب ظنونا لا واقع لها.. لقد أهملناها وخاصمناها، ووقعنا معاهدة جائرة، وقبلنا بجورها، لا أدري ماذا كان الثمن بالضبط وكل الشواهد تؤكد ان هناك خللا كبيرا في سيناء وان كل من حولنا متهمون بإثارة الفوضي فيها، ومحاولة فصلها عن أمها، وليس من مبرر واحد أن تظل سيناء الطاهرة مأوي للموت والهلاك وتصبح جبالها سترا لشرار الخلق. ان المصريين ضحوا من أجل أمتهم العربية، وكان الثمن فادحا، يعرفه كل اصحاب الضمائر الحية وكان اقتطاع سيناء وعزلها بشكل غير مسبوق عن الوطن هو ذلك الثمن، وظلت اثقال العار تطاردنا في صحونا ومنامنا، وسكن الحزن أحشاءنا ست سنوات كأنها ليل طويل لا ينجلي، أما الثمن الأفدح فكان لإعادتها، واستخلاصها من عدو لئيم لا يعرف الحق او العدل او السلام، وهاهي سيناء، يعاودها اللصوص من جديد، يريدون ان تحترق مصر من سينائها والا تفرغ من بعد نصب ومعاناة، ان سيناء تحتاج الي عمليات ثورية فذة حتي نستنقذها من كل هذه الأيدي العابثة التي لا تألونا خبالا ولا ترقب فينا إلا ولازمة، مصر بعدثورتها تعاني من هذه المؤامرات والهجمات الشرسة لإرباك خطاها وإحباط كل محاولة للنهوض وإقامة الدولة الحديثة، وكأننا أمام حرب من نوع آخر تجرنا إليها الأهواء، ويحاول الاصدقاء قبل الاعداء توريطنا فيها، ويعاودني السؤال الأول، أيها الأخوة الذين وعدتم بالوقوف الي جانب مصر الثورة، التي هي ليست للإخوان، أو لأي فصيل آخر، مصر الممتدة من فجر التاريخ حتي الآن تركل الصغائر، وتعلي القيم، فليس لأحد ان يذيبها في فكره، انما هي تذيب كل شيء في قلبها وتصهره، أقول أين ما وعدتم به، وإن ضننتم فمصر لا يضيعها الله، ومصر أبدا لن تضيع.