د. يحيى الرخاوى: لا يعيب ثورة البحث عن الحرية والديمقراطية أن تكون همها الأساسى إطعام الجياع التحالفات الشعبية والليبرالية خليط غير متجانس لا يجمعه سوي عداء الإخوان إن فرط استعمال اللغة النفسية في السياسة يُبعدنا كثيراً عن التقييم الصحيح لحركية الوعي الشعبي سلبا وإيجابا.. هكذا بدأ د. يحيي الرخاوي أستاذ الطب النفسي حديثه مع الأخبار، مؤكداً أن الاختلاف النشط بين الفرقاء السياسيين هو علامة حيوية ودليل يقظة وليس تناطحا، إلا إذا انقلب إلي معارك شخصية سلبية.. كما أكد د. يحيي أن فكرة رئيس كل المصريين لا تعني إرضاء كل المصريين، وإنما حمل هم كل الناس ورعايتهم.. وقال إنه لا يري أن هناك من يحاول إفشال التجربة الديمقراطية، لأنه لا يوجد البديل الجاهز ببرنامج آخر يستطيع أن يحل محل الموجود حاليا، كما أن أعدي أعداء الرئيس سياسيا لا يتمني له الفشل، لأن ذلك يعني فشل مصر كلها، وهو ما لا يرضاه أحد من أبنائها، ، ونحن في حال لا تسمح برفاهية التغيير بهذه السرعة علي حساب حاجات الناس الضرورية ..وقال د. يحيي إنه يرجح كفة الإخوان في انتخابات البرلمان المقبلة وإن بدت غير ذلك بعيداً عن الصناديق ، لأن الأمور تنتقل من تقييم سوء الأداء إلي العودة إلي التلويح بالترهيب والترغيب الديني، الأمر الذي من السهل أن يستدرج إليه الوعي الشعبي الساذج دون حسابات المكسب والخسارة، إضافة إلي أن التحالفات الشعبية والليبرالية الجديدة خليط غير متجانس لا يجمعه إلا أنه ضد الإخوان دون تنسيق تخطيطي قوي يمكن أن يصل إلي عموم وعي الشعب. فإلي تحليل ما يحدث علي الساحة السياسية من خلال هذه النظرة النفسية للدكتور يحيي الرخاوي..إلي نص الحوار: د. يحيي الرخاوي اثناء حواره مع »الأخبار« هل عادت روح الكآبة تسيطر علي المصريين بعد أن تحسنت قليلاً أثناء الثورة؟ أرفض استعمال تعبيرات مثل الاكتئاب أو روح الكآبة في مجال السياسة والإعلام بهذا التواتر، ولا أعرف كيف تصدر مثل هذه الأحكام حتي من بعض المختصين زملائي بمثل هذه السهولة، وما فائدة ذلك، إن ظهر في الأيام ( أو الأسابيع الأولي ) لمشروع الثورة، لم يكن مجرد تحسن في روح الكآبة، إنه الشعور بالكرامة وإحياء الأمل والثقة بالقدرة الجماعية، وهذا وصف مباشر ليس فيه مصطلحات نفسية خاصة، إن فرط استعمال اللغة النفسية في السياسة، يبعدنا عن التقييم الصحيح لحركية الوعي الشعبي سلبا وإيجابا، هذا شعب أصيل يتألم، ويفيق، ويثور، وينجح، ويفشل، ويواصل، فلماذا نسمي أي طور من هذه الأطوار باسم الكآبة التي تزيد وتنقص؟ أنا أتصور، مع ما أتابعه من أحوال البلد موضوعيا. هناك من يسعي إلي إفشال التجربة الديمقراطية لاختلاف التوجه السياسي.. ما تعليقك؟ لا أظن أن أحداً يسعي لإفشال التجربة، لمجرد الإفشال، ثم إنه لا أحد جاهزا بقدر كاف لتولي المسئولية حاليا ببرنامج بديل قادر، وبالتالي لا ينبغي أن نقرأ رصد الأخطاء للرئيس أو معاونيه علي أنها إفشال، إن الرئيس يحتاج أن يعرف أخطاءه بقدر ما يحتاج أن يعرف إنجازاته، ولا أظن أن أعدي أعداءه يتمني له الفشل علي طول الخط لأن فشله هو فشل مصر، وفشله يعني أننا سنواجه بمخاطر بداية جديدة، ونحن في حال لا تسمح برفاهية التغيير بهذه السرعة علي حساب حاجات الناس الضرورية، علي الرئيس وجهاز الدولة أن يثق في خطواته واضعا في الاعتبار رصد أخطائه من مؤيديه ومعارضيه علي حد سواء، وألا يستقبل النقد مهما بدا صريحا أو لاذعا أو محذرا أو مهددا، باعتباره محاولات إفشال، بل إن كل ذلك قد يشحذ همته ويصوب أخطاءه أولا بأول، فهو يساعده علي النجاح. مع وجود التحالفات الشعبية والليبرالية الجديدة.. هل تعتقد أن تصمد للإخوان والسلفيين خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة؟ للأسف هذه التجمعات تحتاج إلي وقت حتي تنصهر معاً في توجه تجمعهم، حتي يظهر أثر ذلك في لحظة امتحان الصناديق، أنا أتصور أنه قد ترجح كفة الاخوان أمام الصناديق حتي لو بدت غير ذلك بعيدا عن الصناديق، لأن الأمور قد تنتقل من تقييم سوء الأداء، إلي العودة إلي التلويح بالترهيب والترغيب الديني، الأمر الذي من السهل أن يستدرج إليه الوعي الشعبي الساذج والطيب دون حسابات المكسب والخسارة علي أرض الواقع.. الجديد في الأمر الآن هو الاختلاف الذي ظهر مؤخرا في اللجنة التأسيسية بين الاخوان والسلفيين وهذا قد يسحب من رصيد الاخوان ولكن ليس لصالح التحالفات الليبرالية، نحن أمامنا وقت طويل حتي نتقن هذه اللعبة الديمقراطية الجديدة، ثم إن ما يسمي بالتحالفات الشعبية والليبرالية الجديدة هو خليط غير متجانس، لا يجمعه إلا أنه ضد الاخوان، دون تنسيق تخطيطي قوي يمكن أن يصل إلي عموم وعي الشعب، لأن ذلك يحتاج وقتا طويلا، وممارسة متجددة، ليس بمعني تكرار المظاهرات وسرعة إيقاع التغيير، ولكن بمعني التعلم من الأخطاء، وتنمية القدرة علي التمييز. مسودة الدستور وهل تعتقد أنها جاءت معبرة عن طموح الشعب المصري؟ أنا لا أتابعها بالتفصيل، ولا أعتقد أنها سوف تجئ بجديد يليق بكلمة ثورة أو حتي يتناسب مع كلمة معاصرة، وأتصور أن دستور3192 وحتي دستور 1971 الأصلي بعد إزالة التشويه الذي لحقه مؤخرا، كان يمكن أن يكون كافيا مع ترشيد التطبيق، ولا تنس أن دور المحكمة الدستورية العليا الرائع في الأشهر الأخيرة جري بمواد قانونية دستورية بشكل رائع دون انتظار، وفي نفس الوقت قصر عمر الممارسة الحقيقية لدولة القانون ودولة المؤسسات، ودولة الانتاج هو ضرورة ينبغي أن تؤخذ في حدود الضرورة فقط، الدول لا تتغير بكلمات علي الورق، وإنما بالممارسات العملية والتعلم وتنمية الوعي علي أرض الواقع.. ثم إنه قد خطر لي أن الاستفتاء علي الدستور هكذا هو إجراء ناقص بشكل ما، إذ كيف يطلب من أي شخص يقبل بعض المواد وهو يرفض البعض الآخر، وأن يقول " نعم " أو " لا " علي كل المواد، وأنا لا أعرف بديلا حتي شطحت وتصورت ضرورة الاستفتاء علي كل مادة من مواد الدستور علي حدة، ثم تبينت أن هذا سوف يحتاج إلي عدد من السنين نكون خلالها قد أعلنا إفلاسنا. ألا تري أن المظاهرات الفئوية تؤيد ما ردده البعض من أن ثورة يناير كانت ثورة جياع ولم تكن ثورة للبحث عن الحرية والديمقراطية؟ كلا، أنا لا أوافق أنها كانت ثورة جياع، ثم إنه لا يعيب ثورة البحث عن الحرية والديمقراطية أن تكون همها الأساسي هو إطعام الجياع بمعني تصحيح أحوال المظلومين وإنصاف المهمشين، ومع ذلك فأنا ضد المظاهرات الفئوية في هذا التوقيت الآن بعد حوالي سنتين من بداية التغيير، وأري أننا في حالة حرب حقيقية وأن البلد علي وشك الإفلاس، وأنصح هذه الفئات أن ينتبهوا إلي أنهم ضحوا كثيرا جدا ولزمن طويل فعلا، لكن في حالة إفلاس البلد ذ لا قدر الله- هم الذين سوف يدفعون الثمن، أما الأثرياء الظالمون منهم والمتفرجون فسوف يدبرون حالهم بطريقة أو بأخري، وفي نفس الوقت علي الدولة أن تقف بحزم مطلق في مواجهة مثل هذه المظاهرات إذا وصلت إلي حد التخريب. تراجع الرئيس مؤخراً عن عدد من قراراته الرئاسية.. هل تري أن هذه القرارات تؤثر في ثقة الشعب؟ طبعا تؤثر إذا قرأها الناس علي أنها تدل علي أنه مهزوز، أو علي أنه متأثر بالمحيطين به "بالدور"، فيصدر قرارا بناء علي اقتراح أحدهم، ثم يأتي مستشار أو معاون آخر ينبهه إلي خطأ قراره فيرجع عنه وهكذا، هذا الموقف المهزوز لا يرضي أحداً، لكن إذا قرأ الناس مثل هذا التراجع علي أنه دليل علي قدرة الرئيس علي العودة إلي الحق، والتعلم من الخطأ، فيكون مثل هذا الموقف لصالحه لأنه يُخرجه من فصيل الذين قال الله فيهم " إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم " إن التراجع له معناه الإيجابي وهو أنه لا تأخذه العزة بالخطأ أو بالإثم وأن المسألة ليست عنادا وركوب رأس، ولكنها مسئولية وحسابات متجددة باستمرار. هل تعتقد أن المد السياسي للحركات الإسلامية سيؤثر علي فكرة المواطنة والترابط الأخوي بين جناحي الأمة اللذين امتازت بهما مصر؟ نعم، لأن الإسلام الممارس في دور العبادة هو غير الاسلام المعلَن علي صفحات الصحف، غير الاسلام الحقيقي الذي يحمل المسلم أمانة رعاية كل الناس بالعدل المطلق مسلمين وغير مسلمين، وتأثير الانتماء للدين دون الوطن جاهز لأن معني الوطن كان قد اختفي من وعي أكثر المصريين لمدة طويلة؛ اللهم إلا في أزمات الحروب (هزيمة 67 أو نصر 73) ومباريات الكرة مع أبناء وطن آخر، لقد اختفي معني الوطن في المدارس والساحات والبيوت علي حد سواء، وفي مثل هذا الحال يصبح الانتماء إلي دين أسهل وأجهز، فالإجابة هي أن لهذه المخاوف ما يبررها، مع أن الانتماء إلي الوطن لا يتعارض مع انتماء كل صاحب دين إلي دينه. هناك من يعتقد أن لدي الرئيس رغبة داخلية في التملص من شِباك الإخوان.. كيف تري ذلك؟ لا أعتقد ذلك، ولا أري أية علامات تشير إلي ذلك، ولا أوافقه علي مثل هذا التوجه إن صح أنه عنده، الرئيس إخوانيّ حتي النخاع وهذا لا يعيبه، بل إنه ينبغي أن يفخر به، وأن يؤكد انتماءه لمن كان سببا في توليه هذا المنصب، دون أن يؤثر ذلك علي التزامه بالعدل المطلق في الحكم، أي دون تمييز أي منهم بميزة شخصية أو فئوية لمجرد أنه من الإخوان، ولا يتم هذا الالتزام بالعدل المطلق إلا بالصراحة المطلقة والقياس بمقاييس موضوعية، وفي نفس الوقت يظل الرئيس إخوانيا طول الوقت، هذه بديهية، إن الانتماء لفصيل بذاته لا يعني تمييز هذا الفصيل عن غيره، بل إن الانتماء للإسلام نفسه، لا يبيح تمييز المسلم عن غير المسلم في أي مجال، وعلي الرئيس أن يتذكر أنه ما كان يصلح أن يتولي النحاس باشا الحكم وهو يتملص من الوفد، تماما كما لا يجوز الآن أن يتولي أوباما الحكم ثم يتملص من الحزب الديمقراطي، ما هذا؟ هذه ألف باء السياسة، الرئيس جاء رئيسا لأنه ينتمي إلي الإخوان لا أكثر ولا أقل. كيف تري مستقبل الحرية الصحفية والإبداعية؟ موضوع إقالة رئيس تحرير الجمهورية كان فيه من الإهانة والتجاوز أكثر مما فيه من الخطأ، صحيح أن الجيش بالذات، وهو درع الأمة وحارسها الأمين، لا ينبغي أن تُتَداول أخباره حتي الصحيح منها بهذه السطحية والعجلة، فهو خطأ مهني كان ينبغي أن يعامل في حدود ذلك مع الاعتذار الواجب للجيش..أما مستقبل الإبداع فلا خوف عليه، فالمبدع لا يستطيع إلا أن يبدع مهما تأخر نشر إبداعه، فمرحلة القمع إن حدثت لها عمر افتراضي قصير بإذن الله، وسيظل المبدعون يُسجلون إشراقاتهم وإضافاتهم ربما بشكل أكثر تدفقا تحديا للقمع المحتمل، ثم ينطلق فيضان الإبداع.