في البرنامج الإذاعي »مُنتدي الحوار« الذي يعده ويقدمه الأستاذ الزبير عثمان أحمد في الإذاعة السودانية أم درمان ، أعاد في حلقة الجمعة الماضية بعضاً من حديث وزير الإعلام الدكتور كمال عبيد، الذي كان قد قال به في حلقة سابقة وأثار جدلاً كثيفاً، وهو الحديث الذي ذكر فيه أن الجنوبيين سوف يفقدون كل حقوق المواطنة في الشمال إذا اختار أهل الجنوب الانفصال في استفتاء تقرير مصير جنوب البلاد في التاسع من يناير المقبل عام 1102م. وبرغم أن الحديث المشار إليه لم أجده عندما سمعته في الإعادة، مثلما رُوج له أول مرة، فلقد جاء كلام الدكتور كمال عبيد في سياق حديث متواصل يشرح الأوضاع الدستورية حال اختيار الانفصال، وكأنه به يود أن يقول إن الوحدة أفضل من الانفصال. ومن بعض ما اتخذه دلالة علي ذلك قال إن الانفصال إذا وقع فإن الجنوبيين الذين يعيشون في الشمال سوف يفقدون حق المواطنة وما يترتب عليه من حقوق إقامة وعمل وتملُّك وغيرها. وهذا أمر طبيعي، ولكن هذا القول بهذه الطريقة ناقص وما كان له أن ينتهي عند هذا الحد، ولا أدري هل أنهي الدكتور كمال حديثه بذكر مثال الجنوبيين في الشمال فقط أم أن البرنامج لم يذع التكملة. والتكملة الموضوعية لهذا الحديث هي أن الشماليين المقيمين في الجنوب أيضاً سوف يفقدون حقوق المواطنة هناك وسيفقدون معه حق الإقامة والتملُّك والعمل وغيرها من الحقوق التي تتاح للمواطنين الأصليين، سواء الشماليين في الشمال او الجنوبيين في الجنوب بعد الانفصال. ميزة هذه التكملة أنها تنفي أن الكلام معني به تخويف الجنوبيين وإرهابهم علي الأقل الجنوبيين المقيمين في الشمال، حتي لا يصوتوا للانفصال فيفقدوا هذه الحقوق الأساسية التي لا تستقيم لهم حياة بغيرها، ومن ميزاتها أيضاً أن الانفصال الذي لا نريد له أن يقع، تقع أضراره علي الجنوبيين والشماليين علي حدٍ سواء، وهذا المثال فقط للحقوق المباشرة التي ترتبط بالمواطنين. وفقط المواطنين الذين يعيشون في النصف الآخر من الوطن غير المحسوبة أصولهم عليه، أي الشماليين في الجنوب والجنوبيين في الشمال. ومثال الأخ كمال عبيد بعد تمامه بذكر شقه الثاني، يصبح مثالاً معقولاً وهو منهج في التنبيه بمخاطر الإنفصال قبل وقوعه، حتي يقدم الناخبون علي الصناديق بوعٍ وإدراك، ورغم معقولية هذا المنهج لكنني علي المستوي الشخصي لا أميل إليه، وأجدني في ذلك ميّالاً إلي التأكيد علي عُمق التواصل بين الجنوب والشمال وإلي التمازج الحميم بين السودانيين في الشمال وفي الجنوب وفي كل بقاع السودان، وهو تمازج وصل مرحلة لا تؤثر عليه أية مستجدات تحدث، بما في ذلك انفصال الجنوب عن الشمال اذا وقع - لا قدر الله تعالي - ولقد اكد ذلك نائب رئيس الجمهورية نائب رئيس المؤتمر الوطني وممثل الحكومة والحزب الحاكم في مفاوضات نيفاشا التي أفضت الي السلام، والموقّع نيابة عن الحكومة في إتفاقية السلام الشامل السيد علي عثمان محمد طه، عندما كان يتحدث في المؤتمر الصحفي الأخير بمجلس الوزراء، هذا المؤتمر الذي قدمه وأداره وزير الإعلام الدكتور كمال عبيد. فلقد قال السيد طه إن الروابط بين الشمال والجنوب لن تنفصل حتي إذا اختار الجنوبيون الانفصال في الاستفتاء. وبرغم أني لم أفقد الأمل بعد في أن يؤكِّد الاستفتاء وحدة السودان، ولكن إذا قدّر الله غير ذلك، وأختار الجنوبيون الإنفصال عن الشمال، فلا بد أن نبحث من الآن صيغاً تبقي علي التواصل بين الجنوب والشمال، وتحفظ للشماليين حقوق مواطنة في الجنوب، وللجنوبيين مثلها في الشمال أكثر وأعمق. فإذا اختار الجنوبيون الانفصال، فالمطلوب من الشماليين ان يعمقوا صلاتهم وإتصالاتهم مع أشقائهم، وليعلم الجميع أن الحدود التي تنشأ بعد الانفصال هي حدود وهمية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تفرق بين الأشقاء.