عمرو الدىب اخلع نعليك، واغتسل من مشاغل الآن وهموم الوقت، وانفض عنك بقايا أو حال الأمس، ثم أقبل خاشعا ممتثلا مستسلماً، وقف فأنت في حضرة الذي لا يغيب ابداً، ولا تخفت اضواؤه طرفة عين، ذلك الساطع لم يزل والمتعالي فوق الأمكنة والأزمان، المضئ قبل الدهور وتدفق العصور، المتألق في كل أوان ومكان، والمنتصر أبداً في البدء والمنتهي.. في القبل والبعد، في المبدأ والمعاد، الذي يسطع وجهه دائما أبداً، ويشرق جماله بلا غروب ولا غياب، فحضوره هو أساس الأكوان، ومنطلق الأزمان ومبتدأ الحوادث والوقائع والعوالم، ذلكم الله - تعالي - الأسم الأعلي، والنور السرمدي الذي لا يخفت أبداً هو الذي لا يخضع وجوده الي بداية، ولا نهاية، ولا سبب، اخلع نعليك يا أيها القادم من ساحات الفناء، وطأطئ رأسك وأنت في حضرة الأزل، وموطن البقاء، وعرين الأبدية لعلك تسعد بمنة أو منحة لا تشقي بعدها أبداً، فهو المنان من قبل إظهار الخلائق، وخلق الأكوان، ولا تتعجب من فيضان كرمه، وانهمار جوده، إلي حد انه - سبحانه - يسر بعودة الشارد الضال إلي أحضان الهداية، كما يفرح أحدنا بالعثور علي ضالته، وهو متشوق إلي العطاء بلا حدود والمن بلا قيود، لذا أقبل يا ابن الفناء، وقف ممتثلاً في الحضرة العليا، مطأطئ الرأس، خاشعاً، خاضعا معترفا بآثامك، نادما علي تفريطك، عازماً علي هجران أوحال الشهوات، قف أيها المولود من أرحام الأوجاع، في ساحة الطهر الأبدي، لتنعم بلحظات الصفاء المقطرة، تغسل روحك المتعبة، واشرب قطرات الإخلاص النقية، حتي تروي ظمأ نفسك المرهقة، وتشق الطريق إلي جنتك المشتاقة، قف يا أيها الآتي من أكدار المكاره، وصحاري الأحقاد، في ساحة الصدق وصعيد المودة، لعلك تستريح قليلا من عناء التطاحن في الحياة، ولهيب الصراع علي المزايا والعطايا، فاليوم موعد الوقوف أمام رب الملايين والألوف، في ذلك الصعيد الطاهر في عرفات، حيث تتجه ملايين الأفئدة إلي البقعة المقدسة المختارة في ركن الحج الأعظم.