لكن الحقيقة أيضاً أننى لم أعد أقوى على النضال من أجل أى شىء.. لأن قدرات النضال قد انهزمت فى داخلى. لو بقى لدى قدر ضئيل من شجاعة غابرة لقلت لكم: أيها الأبطال الشرفاء إننى لا أستحق سوى أن تعزلونى لأنى أكذب. أعزلونى من أجلى.. من أجل بقايا حب قديم.. ومن أجل ما تعاهدنا عليه يوماً من الأيام!. وإن كانت المعارك لم تنته.. والسفائن منهكة.. والقلوب أكثر منها إنهاكا.. وما زلنا ندعى أحياء.
وأنت يا حبيبتى.. مازلت الراية الوحيدة التى بقيت لى من ساحات الدم والدمار!. وتلحين فى الانسحاب.
الانسحاب من أجل ماذا؟.. من أجل أن نلتقى بعد رحيل؟.. من أجل أن أبقى لك سالما؟.. ولكن هيهات.
آه يا قيثارة القمر تقولين إنك تستطيعين أن تلهبى حماس العالم بأسره بقصيدة من قصائدك؟!.. ولكن الكلمات تهرأت على الشفاه.. وفقدت معناها القديم وقصائدى ما عاد لها دوى وربما نسيت كيف أكتبها!..
وأطالع وجهى فى المرآة.. وقد تغيرت ملامحه تماماً.. وفقد وسامته القديمة.. فأخجل أن ألقاك. ماعدت فتاك القديم وما عاد لعينى ذلك البريق الساحر الذى كان يبهرك.. وأكاد أؤكد أنك لن تعرفينى إذا التقينا فى يوم من الأيام.
فوجهى قد شوهته الجراح وغيرت المعارك من ملامحه.. وسلبته ساحات القتال أعز ما يملك!. لقد كنت أعلم منذ اللحظة الأولى أن طريقينا مختلفان واستسلمت لسحرك وحلقنا على أجنحة الأشواق والحب طويلا.. وتنبهت بغتة لحقيقة مكانينا ولكن بعد أن صعب التحول!
راودت يوماً حوريات البحر عن أنفسهن مقابل أن أضمن النجاة لسفائنى وكان الربان الهرم يعقد الصفقات أمامى مع القراصنة والمتآمرين حتى يتركوه ينصب نجله المدلل رباناً جديداً. كنت أساهم رغم ضجرى فى إتمام كل هذا.. ولو بالصمت أو مقابل بعض الغنائم التى ترفضين الآن قبولها يا حبيبتى ولا أدرى لمن سوف أتركها من بعدك.
سأذكرك دوماً يا حبيبتى.. وربما كنت القلب الوحيد الذى ما زال يذكرنى . أجل أنت أحب إلى من دنياى جميعاً. وإذا بقيت لى أمنية أخيرة فى هذا العالم فهى أن أراك.. وأبكى على صدرك.. وأقبل يديك.. وأطلب منك أن تدعى لى بالغفران!. لأنك أنت الكائن الوحيد الذى لن يفزعه رؤياى.. وستعرفيننى رغم وجهى الجريح وقلبى المحطم.. ستعرفيننى وتضميننى إلى صدرك كسالف عهدنا.. وتطوف الدموع فى عينيك وأنت تهتفين : الحمد الله أن أرجعك سالماً.
إننا ياحبيبتى نستقبل حياتنا مفعمين بالأمل، متفتحين للفضائل، نمضى إلى المستقبل بلا توقف، وبلا إدراك للخطر.
فإذا خطونا قليلاً فى الطريق التى صنعها لنا الآخرون، عرفنا الخطر، ومخاوف المجهول.. ووجدنا كل شىء عكس ما علموه لنا ونحن صغار. فى صراع الحياة نتنازل عن كثير جداً مما نحب. نطرق الرءوس أحيانا لنريح أنفسنا على شواطئ الذكريات.
لعل الذكريات هى أجمل ما نملك يا حبيبتى. هى أضخم ما يصادف القلب من حقائق. إنها الصدق والتقوى والكشف والاندماج والفناء فى آن واحد. أى شىء فاجع هذا.. أن نكون أبناء حقيقيين للصدق ولكننا نكذب لكى نخفى شيئاً صادقاً جليلاً نفخر به بيننا وبين أنفسنا ويشعرنا بالكبرياء والشموخ والنبل عن أى مستوى بشرى يحدق بنا. إنها ترانيم القلب والروح فى ساحة الحب المقدسة.