في ضوء مسودة مشروع الدستور التي نشرتها بعض الصحف »وأرجو ألا تكون هناك مسودات أخري«.. نجد أنفسنا بازاء »دستور« لا يقل سوءا عن دستور 1791، لأنه يكرس حكم الفرد المطلق ولا يحقق أي هدف من أهداف ثورة 52 يناير.. وإليكم مجرد أمثلة قليلة: فالمواد 651 و921 و541 و031 و051 من المسودة تمنح لرئيس الجمهورية الحق في »وضع السياسة العامة للدولة« و»الإشراف« علي تنفيذها »بالاشتراك مع الحكومة«، وحقه في حل مجلس النواب، وفي تعيين ربع أعضاء ما يسمي بمجلس الشيوخ، وفي إعلان الطوارئ »بعد موافقة مجلس الحكومة« التي سيتولي تعيينها وموافقة »أغلبية« مجلس النواب - وليس ثلثي الأعضاء- لمدة لا تتجاوز ستة أشهر، ومع ذلك يجوز مدها لستة أشهر أخري »بعد استفتاء عام«. أما الحكومة نفسها، فانها طبقا للمادة 161 مسئولة عن »تنفيذ« السياسة العامة للدولة، وفي المادة 171 تختص بوضع هذه السياسة العامة والإشراف علي تنفيذها ولكن.. »وفقا للقوانين والقرارات الجمهورية«. والمفهوم ضمنا ان الحكومة مسئولة أمام رئيس الجمهورية وليس أمام البرلمان، وهي - عمليا- سكرتارية للرئيس. كما ان الرئيس هو الذي يعين رؤساء الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة بعد موافقة مجلس الشيوخ، الذي نذكر مرة أخري بانه سيعين ربع عدد أعضائه. وأغفلت المسودة عن عمد الجهة التي تتولي تشكيل ما يسمي بالمجلس الوطني للاعلام المسموع والمرئي، وكذلك الجهة التي تتولي تشكيل الهيئة الوطنية للصحافة والاعلام- التي تدير المؤسسات الصحفية والاعلامية »المملوكة للدولة« والواضح ان رئيس الجمهورية هو الذي سيتولي تشكيل الاثنين وانهما لن تكونا مستقلتين عن أجهزة الحكم. ثم ان المادة الأولي التي تنص علي ان الشعب المصري جزء من الأمتين العربية والإسلامية تحتاج إلي مراجعة، لأن الشرط لتحقيق الأمة هو الدولة الواحدة، ولا يمكن المقارنة بين علاقة مصر بالوطن العربي، حيث التاريخ المشترك والتراث المشترك واللغة الواحدة والتكوين النفسي الواحد، ووحدة المصير بين علاقة مصر بدول مثل ماليزيا وافغانستان وحقوق المرأة مشروطة في المسودة والأخطر هو انتهاك سلطة المحكمة الدستورية العليا وسلبها لاختصاصاتها، حيث تنص المسودة علي ان قرار تعيين رئيس المحكمة وأعضائها في يد رئيس الجمهورية مما يشكل عدوانا علي المحكمة وقضائها. وسبق للمستشار محمود مكي، نائب رئيس الجمهورية، ان أكد ان دستور مصر لا يمكن انجازه عن طريق »لي الذراع« أو بالمغالبة. والدستور يكتب للأجيال القادمة، ولا يصح ان يوضع دستور لكي يعبر عن توجهات فصيل واحد. ومعلوم ان الجمعية التأسيسية الحالية قامت وفق نفس الاجراءات والآليات التي قامت عليها الجمعية السابقة والتي حكم القضاء ببطلانها، مع ملاحظة انه في الوقت الذي تم فيه إقصاء كفاءات وطنية رفيعة، فان الجمعية تضم بين اعضائها من يري ان الوقوف للسلام الوطني وتحية العلم.. حرام!! كلمة السر: الأغلبيات لا تصنع الدساتير