كلما مررت بالسيارة فوق كوبري أكتوبر في طريقي إلي سكني بمصر الجديدة، وفوق رصيف الكوبري في مواجهة قسم الأزبكية، أتطلع إليها شأن كل الملايين العابرين بسياراتهم، وقد أعطت ظهرها إلي الدنيا وسلمت شكواها لله وحده بعد ان خذلها الجميع.. الحكومة والشعب وأنا واحد منهم لأني لم استطع التوقف للاستماع إليها تخوفا من سيل السيارات السريعة التي تنتج عنها كوارث في الاتجاه إلي ميدان رمسيس.. ملابسها لا تستر إلا جزءا يسيرا من جسدها الذي أكلته الشمس في الظهيرة حتي انكمش، وقدماها تراكم فوقهما الذباب.. لم تمد يدها طلبا للمساعدة.. تنام في هدوء دون ان تحرك ساكنا.. لم يسمع أحد صوتها المكتوم وهو يقول يا أهل الخير أنا لست محدودة الدخل، بل معدومة!! لم أراها مرة وهي تأكل لقمة عيش، أو تشرب كوب ماء، معذرة »كوز« صفيح يطفئ ظمأها.. وكم كنت اتمني أن يشاهدها أحد المسئولين بوزارة التضامن الاجتماعي، وينقلها بسيارة اسعاف إلي إحدي دور الإيواء لترعاها حتي تلقي ربها.. وبالقطع هناك الكثيرون من أمثال هذه السيدة العجوز التي قد تكون أسرتها قد تخلصت منها بعد ان تقدمت بها السن، وأصابها خرف الشيخوخة، أو تكون قد تركت المسكن دون ان يدري بها أحد وربما هم يبحثون عنها الآن.. ويصادفني هذا المشهد خلال احتفالات العالم »باليوم العالمي للمسنين« الذي اختارته الأممالمتحدة بهدف توجيه اهتمام الدول المتحضرة بشعور هذه الفئة، ليس بدافع العطف والاحسان، بل الاعتراف بحقوقهم وتوفير الرعاية الكاملة لهم، والاستفادة بقدرات القادرين منهم علي العطاء وإدماجهم في المجتمع.. ونحن في مصر.. وفي كل عام منذ تخصيص هذا اليوم في الأول من أكتوبر 3002 إما ننسي هذا اليوم، أو نكرر أرقاما حول التضامن الاجتماعي ورعاية المحتاجين! والسؤال لمن تُعلن هذه الأرقام.. ولمن تكفي الدور والمساعدات ولدينا 8.5 مليون مسن من بينهم 053 ألف مريض ب»الزهايمر« في مصر، ومن المنتظر ان يزيد هذا الرقم إلي المليون بحلول عام 0202.. بينما الكثير من العائلات متوسطة الحال تعجز عن تحمل الأعباء المالية لإقامة مرافق لهذا المريض.. وفي المقابل أصبحت الدور الخاصة برعاية المسنين باهظة التكاليف وتصل بالآلاف من الجنيهات. وفي محاولة للمساهمة بالقليل للتخفيف عن هذه السيدة النائمة فوق كوبري أكتوبر اتصلت بالدكتورة نجوي خليل وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية التي استدعت السيدة فاطمة الشريف وكيل أول الوزارة والمشرفة علي مكتبها وطلبت منها اتخاذ الاجراءات بالتوجه فورا إلي مكان العجوز ونقلها إلي دار الرعاية.. وتقدر الأممالمتحدة عدد المسنين علي مستوي العالم بأكثر من 997 مليون شخص وسيرتفع إلي مليارين بحلول عام 0502، أي 03٪ من سكان العالم وهو ما يفرض علي الدول مواجهة التحدي من خلال توفير الرعاية الصحية والمعيشية والكرامة والأمان والعلاقات الانسانية بين الأجيال. وإذا لم تعالج الحكومات هذا الأمر من الآن فستكون العواقب سيئة.. ويبقي السؤال متي نبدأ رعاية حقيقية للمحتاجين من كبار السن، بدلا من النوم فوٍق الارصفة واسفل الكباري؟.