بدر محمد بدر سوف يذكر التاريخ بأحرف من نور، وسطور من ضياء، جهد وصبر ومعاناة هذه الكوكبة الرائعة من رجال ونساء مصر الشرفاء، الذين يواصلون العمل الدءوب في الهيئة التأسيسية، لإعداد أول دستور مدني عصري يليق بمصر الحرة الناهضة. وسوف يذكر التاريخ كيف قام هؤلاء الأبطال العظام بهذا الإنجاز الرائع، وسط أجواء سياسية متوترة، وإعلامية فاسدة، وقانونية متربصة، دون أن يضعف ذلك من عزيمتهم وهمتهم، أو يؤدي إلي إحباطهم وفشلهم، بل يواصلون العمل بالليل والنهار، ويضحون بكل ما يستطيعون من وقت وجهد وعرق، ويشاركون بالعلم والخبرة والحوار والنقاش الجاد، في صياغة حلمنا القادم، وفاء لمصر وشعبها وأمتها وتاريخها وحضارتها ومستقبلها، وأملا في غد أكثر إشراقا للأجيال القادمة.. هي إذن المرة الأولي في تاريخ مصر، التي يكتب فيها الشعب دستوره، من خلال الأعضاء المائة والخمسين، الذين فتحوا باب المشاركة أمام جميع الفئات والتيارات بعد أن حاولت جهات كثيرة إعاقة إعداد دستور يشارك في صنعه الإسلاميون، علي الرغم من فوزهم بالأغلبية البرلمانية في أول انتخابات حرة، وبذل بقايا العلمانيين واليساريين وبعض مدعي الليبرالية، كل جهدهم ولا يزالون من أجل هدم "التأسيسية" أكثر من مرة، وسلب إرادة الشعب الحر، ولكن الله سلم. المسألة لم تكن في حقيقتها خلافا بين الإسلاميين وغيرهم علي ماهية الدستور أو أبوابه ومواده، ولا علي النظام السياسي الذي يمكن أن نختاره لمستقبلنا، ولا علي الإبقاء علي مواد معينة أو إزالتها، ولكنها كانت إرهاقا للذين انتخبهم الشعب في إطار الشكل، وإظهار الأمر إعلاميا كأن المشكلة هي في تعنت الإسلاميين، أملا في حدوث ما يمكن أن يقصيهم من المشاركة، ولعل الإسراع بحل مجلس الشعب قبل التفسير الصحيح لنص الحكم، كان جزءا من الحل الذي سوغه هؤلاء للعسكر. كانت المؤامرة الفاشلة، التي استخدمت فيها أسلحة سياسية وقانونية وفئوية وسلطوية غير أخلاقية، تقضي بتشكيل لجنة تأسيسية أخري، يشارك فيها أناس مختارون بعناية، بعيدا عن إرادة الجماهير، بالطبع من رموز اليسار والعلمانيين ومدعي الليبرالية وداعمي النظام الفاسد، الذين لديهم الاستعداد التام للوقوف في وجه الإرادة الشعبية الحرة، والسطو علي حق أبناء الوطن في اختيار من يمثلهم ويعبر عنهم، ولكنها زالت بفضل الله، بزوال القوة الداعمة لها أو المستفيدة منها.. وفي الأيام المقبلة سوف يتاح للشعب المصري الحر، الذي ضحي بدمائه من أجل كرامته، أن يري مشروع دستوره الجديد، وسوف يأخذ الجميع الفرصة كاملة للاطلاع عليه، قبل أن يقولوا رأيهم فيه بكل حرية في استفتاء رسمي عام، وساعتها سوف ندرك جميعا حجم الجهد المبذول فيه من قبل هؤلاء المخلصين، وندرك أن عمليات التشويش وإثارة الغبار، التي يقودها بدأب بعض الإعلاميين والسياسيين، فشلت تماما في تضليل الناس والكذب عليهم مهما كان بريقها الزائف. تحية وتقدير وإعزاز لكافة أعضاء اللجنة التأسيسية من كل التيارات الوطنية والكفاءات المهنية، المشاركين في إعداد الدستور، ولكل الجهات المعاونة والداعمة لهم، وعلي رأسها مجلس الشوري، علي ما بذلوه من وقت وجهد وعرق، في صبر وإخلاص واحتساب وتجرد، لصنع مستقبل مصر الحرة، ولتحقيق أهداف ثورة الحرية والعزة والكرامة الإنسانية. وليكن إقرار الدستور الجديد هو البداية العملية لإطلاق مشروع النهضة الذي طال انتظاره، ونقطة الانطلاق الحقيقية لدفع طاقات الشعب المصري الإيجابية، من أجل صناعة الحلم الوطني، وبناء مستقبل أفضل لأبنائنا وأحفادنا، ورسم معالم مرحلة جديدة في تاريخنا الحديث، يشارك الجميع في صنعها، فالوطن ملكنا جميعا، والحاضر والمستقبل أكثر إشراقا بإذن الله.