عصام حشىش كلما اقترب القلم من الكتابة في أمور السياسة أجد ما هو أفضل منها للكتابة عنه - فمرسي والإخوان والتيارات الليبرالية والسلفية وغيرهم من قادة الرأي والمواقف ليسوا في حاجة لما أكتبه لهم أو عنهم ليأخذوا فكرتي ويمضوا علي خريطتي أو خريطة غيري. وإنما نحن جميعاً أنا وهم وأنتم ايضاً في حاجة لأن نعرف أن هذه المناصب والأموال والصحة والأولاد هي كلها منح وعطايا من الله لي ولك للإمتحان والاختبار. فإذا عرفت مراد الله منها قمت بحقها واصبحت من الفائزين. وإذا لم تعرف اصبحت في خطر عظيم من هذه المنح والعطايا نفسها مثل الذي يمضي في بحر بدون بوصلة ترشده إلي أين يوجه سفينته.! والدنيا التي نعيشها هي دار الجهد والابتلاء حتي السعادة فيها تجدها ناقصة تشوبها غصة فهي غير مكتملة ولكن الإنسان يريدها ويتمناها وقد يعتقد ان امواله ستقوده اليها فيحب أمواله ويخاف عليها من الضياع لانها ستسعده وقد يظن ان مناصبه سبب سعادته فيجتهد ليصل الي أعلي منصب وما أن يسعد بنفوذه حتي يتسلل القلق الي نفسه فالذي وضعه في المنصب قادر علي إزاحته منه فلا يكاد يهنأ إلا ويلاحقه الهم والشقاء. وهكذا يبقي الحال مع كل النعم.. فهي إما أن تزول عنك في يوم او تزول انت عنها فتفترقا بلا تلاق.. إلا نعمة واحدة لا تزول عنك ولا تزول عنها ابداً هي نعمة اكتمال الدين في قلبك وعقلك لتدير بالدين كل شئون حياتك.. فهذه هي النعمة التامة الكاملة. وهي اعظم واكبر وافضل نعمة يعطيها الله للإنسان ليحافظ عليها ويبقيها فلا تزول عنه في الدنيا ولا في حياة القبر ولا عند الحساب وتبقي معه إلي أن تصل بصاحبها الي الجنة. ولذلك يصبح من المفيد جداً أن نقترب من هذه النعمة لاصلاح حياتنا، نغترف منها ونستفيد من حياتنا بتحصيلها قبل أن تنتهي هذه الحياة فجأة ونكتشف أننا لم نحصل منها علي القدر الكافي للنجاة وأن الدنيا خدعتنا فنصرخ عند الموت نطالب ربنا بأن يبقينا وقتا أطول لتصحيح الأوضاع! الآن نحن نمتلك الفرصة بوجودنا أحياء لكي نزيد الإيمان بالله ونكثر من الاعمال الصالحة. والله تعالي لم يبخل علينا وأرسل الينا الكتب والرسل لكي نعرفه ونعظمه ونذكره كثيراً.. وحذرنا سبحانه وتعالي من الانشغال بالدنيا علي غير مراده. ونصح لنا »ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمي«.. فالدنيا مثل السوق فيه الرابحون الذي تحركوا بالدين وللدين وفيه الخاسرون الذين نسوا الله فأنساهم انفسهم. وإذا كان الحديث عن السياسة احيانا يأخذنا بعيداً فنستغرق ونتوه في اضابيرها فمن المفيد والمهم أن نستدرك ونعود لنصلح من أنفسنا وحتي نساعد بها الآخرين.. وفي النهاية فإنه »من يعمل مثقال ذرة خيراً ير« يفرح الانسان بما قدم لحياته.. ويندم لانه لم يزد من الخير.. والذي يريد العزة في الدنيا والآخرة.. فعليه بالدين ينهل منه ويدعو غيره اليه بقدر استطاعته.. »ووجدوا ما عملوا حاضراً.. ولا يظلم ربك احدا«