محمود الوردانى كنت أقلب في اوراقي القديمة بالمصادفة، ومن بينها ماكتبته في هذه الزاوية تحديدا، وهالني انني كتبت في الموضوع نفسه عدة مرات دون جدوي، ودون اي رد فعل، وكأن الواحد يصرخ في البيداء! الموضوع ببساطة ضرورة حل جماعة الاخوان المسلمين، او تحويلها إلي جماعة دعوية شأنها شأن مئات الجمعيات الدعوية والاجتماعية والحقوقية الخ، ومن ثم انضوائها تحت قانون الجمعيات الأهلية، وانتظار القانون الجديد المزمع صدوره لتوفيق اوضاعها . هذا الكلام كتبته منذ 32 مارس من العام الماضي، وفي هذه الزاوية نفسها تحت عنوان "الجميع يسعي لاختطاف توكيل الدين"، ثم خصصت عدة اسابيع للكتابة عن الموضوع نفسه.. مثلا "هل تعرفون انكم لم تعودوا جماعة محظورة" و "الاخوان المسلمين جماعة دعوية" و"لست رئيسا للاخوان" وغيرها وغيرها. اما سبب العودة للكلام في الموضوع نفسه، فليس لأن الاخوان ودن من طين وودن من عجين، ولديهم الرئاسة والحكومة والتشريع وكتائب الاعلام وحزب الحرية والعدالة والجماعة نفسها، فالموضوع بالنسبة لهم لايستحق الرد اصلا! سببه أيضا انه من بين مطالب المظاهرة الاخيرة في 42 أغسطس حل الجماعة او توفيق اوضاعها، ثم ان الكلام عن اخونة الدولة والتسلل لمفاصلها العميقة علي كل لسان دون ان يلتفت واحد من عقلاء الاخوان ويدرك ان هناك مشكلة فعلا. سأحاول تلخيص اسباب هذا المطلب، اي ضرورة حل الجماعة أو توفيق اوضاعها حسب القانون الحالي دون انتظار للقانون المزمع اصداره بشأن الجمعيات الأهلية، فقد تحول هذا الأخير إلي شماعة سخيفة. استأذن القارئ للعودة عدة سنوات إلي الوراء، عندما قام الضباط الأحرار بحركتهم عام 2591 واصدروا قانونا بحل الأحزاب السياسية والجماعات والجمعيات المختلفة بعد استيلائهم علي السلطة، استثنوا الجماعة وفق الاعلان الدستوري الصادر في 01 فبراير 3591 وقضت الجماعة شهر عسل طويلا وجميلا مع الضباط حتي محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في المنشية ، فصدر قرار مجلس قيادة الثورة في 5 ديسمبر 4591 بحل الجماعة التي تعرضت إثر ذلك لاضطهاد وتنكيل، هم وغيرهم من القوي السياسية المناوئة أو حتي المعارضة للثورة، واستمر هذا التنكيل والتعذيب في السجون والتشريد في المنافي حتي جاء السادات للحكم ، فأطلق سراحهم وسمح لهم بالنشاط والتواجد بقوة، والاهم انه استعان بهم في هجومه علي خصومه من اليساريين والناصريين آنذاك، إلا أن المناخ الذي صنعه السادات هيّأ البلاد لاغتياله علي يد اولئك الذين كان قد اطلقهم علي بلادنا! معذرة لهذا الاستطراد، لكن المؤكد ان قانونا صدر بحل الجماعة عام 4591 أما عودتها للنشاط أيام السادات فكانت دون سند قانوني، بل بموافقة ودعم شفوي. وليس سرا ان السيد محمد عثمان اسماعيل المقرب من السادات أشرف بنفسه علي تدريب وتمويل الجماعات الاسلامية، ومن بينها ذلك الفصيل الذي اختار الانضمام للجماعة في السبعينيات. وطوال الثلاثين عاما التي تولي فيها المخلوع، لعب الاخير ورقص طويلا علي حبل الاخوان ، فهي جماعة محظورة بحكم القانون، لكنه يوارب الباب لها قليلا لتخويف الغرب والولايات المتحدة، وهكذا باتت الجماعة محظورة ومش محظورة! كاتب هذه السطور يري ان صمود الجماعة واصرارها علي الاستمرار المنظم امر يحسب لها، بل ونادي الكثيرون ذ وانا منهم ذ بحقها في الوجود العلني كحزب سياسي طبعا وليس كجماعة دعوي . أما الجماعة فقد بادرت بعد الثورة بتقديم طلب لإنشاء حزب سياسي يعد الذراع السياسية لها باسم حزب الحرية والعدالة، وهو تصرف سياسي محترم، ومارسوا عملهم وخاضوا انتخابات البرلمان بغرفتيه والرئاسة بجولتيها، وانشأوا جريدتهم وقناتهم الفضائية، وأخيرا تم تفكيك المجلس العسكري والغاء الاعلان الدستوري المكمل، وتركزت كل السلطات في يد الرئيس المنتمي سياسيا للجماعة ومرشح حزب الحرية والعدالة في الوقت نفسه. ان حل الاخوان لجماعتهم او توفيق اوضاعهم وفق القانون الحالي، وحتي يتم اصدار قانون آخر ضرورة. كيف تتحرك وتعمل وتنشط جماعة ترفض ان تعلن عن عدد اعضائها ومقراتها ومكاتبها وتمويلها وعلاقتها بالتنظيم العالمي للاخوان المسلمين وكيف تنفق مواردها ومن اين لها هذه الموارد. لماذا ترفض الجماعة الشفافية؟ هل هناك سبب آخر سوي الشعور بالاستقواء وخيلاء الغرور بعد ان دانت لهم الدنيا تشريعا وتنفيذا ورئاسة؟ لا أدعي انني انصح الرئيس بل اظن بكل اخلاص ان الحصافة السياسية وليس من باب المنّ او الاريحية تقتضي حل الجماعة أو توفيق أوضاعها والاعلان عن اموالها وشركاتها ومصادر تمويلها فورا، بدلا من هذه الهلفطة والغلظة ذ حتي لا استخدم تعبيرا آخر ذ التي اقترفها السيد عصام العريان، حين اتهم اليسار دون اي سند او دليل بتلقي تمويل من الخارج، وهو اول من يعلم ان ما يقوله غير صحيح، فهو منخرط في الحياة السياسية ومناضل قديم زامل اليساريين في السجون ويعلم جيدا انهم شرفاء. علي اي حال اطالب الرئيس بالوفاء بتعهداته، وان يكون رئيسا لكل المصريين، ونحن نستحق بعد الثورة ان نعيش في بلد محترم يطبق فيه القانون علي الجميع، واذا كانوا يريدون وراثة الحزب الوطني المنحل، فعندهم حزب الحرية والعدالة، أما الاخوان فعليهم الكشف عن أوراق جماعتهم.