احد قصور القرية التى بناها الشباب بعد الهجرة الى ايطاليا غرق .. موت .. أو سجن وديون..شباب في عمر الزهور تنتهي حياته بين الامواج المتلاطمة .. هربا من الفقر والبطالة .. بل بحثا عن كنز علي بابا في بلاد الغربة .. وقع العديد من شباب الوطن في فخ سماسرة الموت " الهجرة غير الشرعية " .. النصيحة لا تجدي نفعا .. بل حمل الجثامين علي الايدي من الاقارب والاهل لا يفيد .. الجميع يريد ان يصبح قارونا .. والغيرة ملأت قلوبهم .. الاباء عاجزة عن منع الموت والحزن ان يتسللا الي بيوتهم .. حلم الثراء السريع لمواجهة شبح الفقر والبطالة، وراء غرق العشرات من ابناء قرية "تطون" بمركز اطسا بمحافظة الفيوم .. البقعة التي تغير لونها من اللون المصري الاصيل الي الطابع الايطالي .. لم تكن فاجعة اول امس من غرق 40 مصريا علي مركب الصيد قبالة السواحل الليبية الاولي لاهداء الحزن والبكاء الي اهالي هذه القرية فبين هؤلاء الموتي ثلاثة من خيرة ابنائها ذهبوا يلهثون وراء السفر بطرق غير شرعية من اجل "اليورو". ايطاليا المصرية علي بعد مايقرب من 130 كيلو مترا من القاهرة اتجهت "الاخبار" الي قرية تطون التي تعد من أكبر قري الفيوم وكانت قديماً من أفقر قري مصر.. لكنها اصبحت الآن تسمي "إيطاليا" المصرية بسبب تحول الحياة فيها إلي النظام الإيطالي في كل شيء بدءا من المباني والمنازل إلي حياة الترف والرفاهية .. يبلغ تعداد سكانها حوالي 90 ألف نسمة بالبلدان التابعة لها وصار مصدر الدخل في السنوات العشر الاخيرة السفر إلي أوروبا وإيطاليا تحديدا مصدراً ثميناً وتعتمد هذه القرية علي الهجرة إلي إيطاليا منذ الثمانينيات من القرن الماضي وكانت هجرة غير شرعية من خلال التسلل الي الاراضي الليبية ومنها إلي مالطا ثم الي السواحل الايطالية في رحلة تستغرق من ثلاثة الي 5 ايام حسب تأكيدات من خاضوا التجربة من اهالي القرية "تطون" أصبحت تتميز بمبانيها الفاخرة وفيلاتها المتميزة والعمارات والقصور التي أقامها أبناؤها كثيرا منها علي الطراز الايطالي .. وبسبب السفر الي ايطاليا ارتفعت الاسعار في القرية عن باقي المحافظة فثمن قيراط الارض وصل الي 175 ألف جنيه ووصل ثمن أحد البيوت بالقرية الي نصف مليون جنيه ولا تقل تكلفة أي حفل زفاف عن 100 ألف جنيه. ويقول الشيخ رمادي عبد الغني ابو طالب " 57 سنة" يعمل بنقطة شرطة تطون : ان أبناء القرية يعانون من ارتفاع الاسعار. وان الهجرة الي ايطاليا بدأت في أواخر الثمانينيات وكانت رسوم التأشيرة جنيهين فقط وصلت الي ألف دولار أيام كأس العالم عام 1990 وبعدها تم الغاء التأشيرات نهائياً ويصل ما يدفعه الشاب حالياً للمهرب الليبي من 35 إلي 75 ألف جنيه ويتم تجميع الشباب باحدي المدن الليبية بعد الابحار من الموانئ المصرية عبر مركب صيد والتي تنقلهم الي مالطة ثم يركبون لنشات الي السواحل الايطالية وتقذفهم قبل السواحل بمسافة تصل الي حوالي كيلو متر .. مشيرا الي ان السبب الرئيسي للسفر هو عدم وجود عمل فالقرية لا يوجد بها مصانع وأيضاً الغيرة من بعضهم البعض . عشرات الموتي وقال محمد الجبالي سلومي " 69 سنة": لقد فقدنا خيرة شباب القرية بسبب الفقر والبطالة وغيرة الشباب من بعضهم البعض فأهالي القرية لا ينسون ابدا فقدان العشرات من ابنائهم غرقا في البحر بحثا عن الثراء .. منهمرا في البكاء علي عدد من اقاربه قائلا للاخبار بصوت حزين: لا أحد يمكنه نسيان ما حدث في فبراير 2002 فلقد فقدنا 18 من أبنائنا غرقوا في عرض البحر المتوسط أثناء محاولتهم السفر الي ايطاليا ولا يعرف عنهم أحد شيئا.. ويقول محمود بكري مشرف 25 سنة من شباب القرية قال: السفر الي ايطاليا أصبح هدفاً لابناء القرية وانا احد من فقدوا اشقاءهم غرقا في البحر حيث توفي اخي حسنين الذي يصغرني ب 3 اعوام .. كما فشل شقيقي الاكبر في الوصول الي ايطاليا بنفس الاسلوب وهو الامر الذي جعلني لا افكر في السفر مثل الباقين . ويقول محمد مفرح شيخ بلدة تطون "للاخبار " اننا نعاني كثيرا كآباء من فراق الشباب الذين يحلمون بالثراء السريع حيث ترجع أهم أسباب هجرة شباب تطون إلي إيطاليا إلي أنهم فقدوا الأمل في الحصول علي وظيفة رغم ارتفاع نسبة التعليم بها فالأمية في تطون 2 ٪ فقط ، والشباب يتخرجون من الجامعات ولا يجدون عملاً يؤدونه فكان البحث عن وسيلة للثراء وضمان حياة كريمة هو الدافع وراء فكرة السفر . أسماء ايطالية تأثرت القرية باشياء كثيرة من ايطاليا غير الحصول علي الاموال حيث أطلقت أسماء ايطالية علي محالها التجارية مثل " عصير ميلانو" و "دريم روما " و "جوهرة ايطاليا " وغيرها حيث أصبحت تتميز بمبانيها الفاخرة وفيلاتها المتميزة والعمارات والقصور التي أقامها أبناؤها .. ويقول محمد عبد الفتاح 37 سنة من اهالي القرية إن الرحلة أو الهجرة غير الشرعية الي إيطاليا تبدأ من القاهرة أو الاسكندرية بالاتفاق مع أحد السماسرة أو المندوبين فهم يمثلون مكاتب سياحة أو متخصصين في هذه الرحلة غير الشرعية ويتم الاتفاق مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 03 و57 ألف جنيه عن الفرد الواحد ثم يتم السفر الي ليبيا وهناك تتم مقابلة السمسار الليبي ويتم تجميع الأعداد الراغبة في السفر في منطقة تسمي المخزن وهي عبارة عن مزرعة أو اسطبل مزرعة يتم تجميع الراغبين في السفر في هذا المكان يعيشون اياما تصل أحيانا الي شهر في ظل معاملة غير آدمية علي الإطلاق لحين إتمام الاتفاق مع أصحاب المراكب أو الجرافات وهي عبارة عن مراكب صيد أو جرافات صيد وليس سوي ذلك وقبل أن نركب في هذه المراكب يسحب منا كل ما يشير الي هويتنا ونلبس ملابس الصيادين لأنه عندما يتم القبض علينا أو الوصول في حالة النجاة الي إيطاليا نقول إننا من العراق أو فلسطين أو أي دولة بها حروب علي أننا لاجئون هربا من مخاطر الحروب. مؤكدا أنه رأي بعينيه في المركب الذي كان يستقله أكثر من06 راكبا لم يصل منهم سوي20 راكبا فقط، والباقون لقوا حتفهم غرقا واحدا تلو الآخر من جانب آخر قام عدد من اهالي القرية العائدين من ايطاليا ببناء مقاهي وكافيهات ضخمة ترفرف عليها الاعلام الايطالية والمصرية وتعد مزارا سياحيا لابناء القرية يتباهون فيه ويرون قصصهم بشوارع روماوميلانو وهو مايثير حفيظة الاخرين ممن لم يتمكنوا من السفر ليبدأوا رحلة الموت بين امواج البحار . حلم الثراء ويروي اشرف عبده "42 سنة" قائلا: ان مشكلتي أنني لا أستطيع توفير المبلغ الذي يجب دفعه لسماسرة الطريق، ولو توفر هذا المبلغ معي لسافرت الليلة علي أول مركب إلي سواحل ايطاليا وليكن ما يكون ويرفض عبده اعتبار السفر بطريقة غير شرعية مغامرة غير محسوبة، قائلا: الفرق بين الفقر والموت مش كبير أوي، ومثلما يقول المثل المصري: يا نعيش عيشة فل، يا نموت إحنا الكل.