جمال الشرقاوى جهاز الدولة هو الأداة التي يكونها الشعب عبر تاريخه لإدارة وتسيير وتيسير حياته، في مختلف نواحي الحياة، وهو بهذه الوظيفة، بالغ الأهمية والحيوية، لأنه ضمان تنظيم حياة الشعب. واستمرارها، وارتقائها. ولذلك فهو ملك للشعب كله. وقد خلصت تجارب الانسانية الي ضرورة استقلالية جهاز الدولة عن أي صراعات، أو تداولات للسلطة، أو تباينات حزبية، ضمانا لثبات واستمرارية عمل هذا الجهاز، وبالتالي ثبات واستمرارية ما يؤديه للشعب من خدمات، وللوطن من واجبات.. وحرصت كل الدول علي تأكيد الملكية الشعبية الكاملة لكل مفردات جهاز الدولة: الجيش، الشرطة، الوزارات المختلفة، المرافق العامة. وتوصلت الي نظم دقيقة لتكوين ومهام كل جهاز، ولوائح عمله الداخلية، وترقياته الخ، بما يؤكد عدم التلاعب بها، وتسخيرها لغير ما وجدت له. يأتي الديمقراطيون للحكم في الولاياتالمتحدة، أو الجمهوريون، فلا يغير كل منهما في أجهزة الدولة. لكل منهما سياساته نعم.. وأجهزة الدولة تنفذ هذه السياسات حتما، مادامت أقرت من مجلس النواب والكونجرس. لكن ليس من حق كل منهما أن يحدث تغييرات في أي فرع من فروع جهاز الدولة، بما يخالف نظامه ولوائحه.. يتخير كل رئيس جهازه الخاص، السكرتارية المتحدث باسم البيت الأبيض، المستشارين.. وزراءه، أو علي الأصلح، سكرتيري دولته.. بعد موافقة اللجان النوعية بالكونجرس.. لكنه لا يتجاوز ذلك الي بقية أجهزة الدولة السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية.. لأن لهذه الأجهزة ميكانيزم تشكيلها وعملها. وهكذا في انجلترا وفرنسا وكل دول العالم الديمقراطية. ولا يخرج عن ذلك الا الدول التي يحكمها ديكتاتوريون يدعون زورا أنهم ديمقراطيون، أو تحت شعارات ثورية، أو ضد الثورة المضادة.. بينما هم يعملون ليل نهار علي هيمنة أحزابهم أو جماعاتهم علي جميع أجهزة الدولة، سارقين ملكية كل الشعب لهذه الأجهزة، لصالح قسم من الشعب، فيدمرون وحدة الدولة، ويسخرون أجهزتها ضد غالبية الشعب. وقد رأينا ما فعله صدام حسين بالشعب العراقي والدولة العراقية الغنية، وكيف انتهي الي تسليمها للامبريالية الامريكية. ونفس الشيء بالنسبة للقذافي.. وأخيرا بشار الأسد. وفي مصر قبل ثورة يوليو، عندما كانت تجري انتخابات -معظمها مزيفة- وتتغير الحكومات، كان في كل وزارة »وكيل وزارة دائم« لا يتغير بتغير الوزراء.. للمحافظة علي استمرار عمل الوزارة الأساسي لخدمة الشعب. لكن بعد ذلك، وتحت شعارات التخلص من البيروقراطية، لم تعد هناك حصانة للموظف العام. وأخذ الاضطراب يسود أجهزة الدولة، حتي بلغ مداه في السنوات العشرين الأخيرة من حكم مبارك، عندما صار الولاء للنظام الحاكم وحزبه هو القانون. وأصبح الرجل المناسب في المكان المناسب أمرا ناردا، وسرعان ما يجري ضربه، لصالح عديم الكفاءة من محاسيب النظام. كتالوج.. للوظائف العليا والآن، ونحن نمارس التعددية الحزبية.. ويفترض اننا نبني دولة حديثة.. وبينما يدور حديث واسع حول »أخونة الدولة«، باختيار كبار الموظفين في جهاز الدولة من جماعة الاخوان المسلمين، التي يتبعها، لا يزال الرئيس محمد مرسي.. فإن الاجراء الموضوعي لعدم حدوث »تخريب« أو تسييس أو تلوين لجهاز الدولة وضع كتالوج واضح ومحدد للوظائف العليا في الدولة، يحدد الشروط اللازم توافرها في شاغل كل وظيفة، ولجنة من خبراء كل مجال، يرأسها احد مستشاري مجلس الدولة، تبت في الاختيار مع تحديد طرق الطعن، ومزايا الوظيفة، ولائحة جزاءاتها. وبالنسبة للمحافظين، أعلي موظفي جهاز الدولة.. والمفترض انهم سيتم اختيارهم بالانتخاب.. يسري عليهم نفس الأسلوب: يرشح من يريد الوظيفة نفسه أولا للجنة المحددة لذلك، وتختار اللجنة الثلاثة الأكثر قبولا للشروط، ثم يطرحون للانتخاب العام، مع مسوغات ترشيحهم.. ليكون انتخابهم محققا لارادة شعبية مبنية علي يقين.