محمد وجدى قنديل قال موشي ديان إن المخابرات المصرية زرعت سيناء برادارات بشرية وكانت تنقل تحركات القوات الاسرائيلية وترصد مواقع خط بارليف. كانت مهمة المخابرات الحربية المصرية في العاشر من رمضان هي: حرب ما قبل الحرب.. بمعني رصد »دبة النملة« في سيناء.. ومراقبة التحركات الإسرائيلية علي الضفة الشرقية »وفي خط بارليف« وفي عمق الخطوط الدفاعية.. وكانت تقع علي عاتق المخابرات الحربية مسئولية توفير المعلومات اللازمة للعمليات القادمة - عبور القناة واقتحام خط بارليف - وكانت تقوم بها وحدات من الصاعقة المصرية خلف الخطوط الإسرائيلية في سيناء.. واختراق الحاجز الأمني الذي أقامه الإسرائيليون لحماية تحصيناتهم وقواتهم في العمق.. لمنع المصريين من رصد التحركات الإسرائيلية.. وكان رجال المخابرات مثل الأشباح يتحركون في الليل ويسلكون دروب الصحراء التي لا يعرفها غيرهم - بمساعدة بدو سيناء - ويختفون في مغارات الجبال الوعرة »وسط سيناء« وكانوا بمثابة الرادارات البشرية من ابناء سيناء التي يتم زراعتها في العمق.. وكانت عمليات الكوماندوز - من الصاعقة - خلف خطوط المواجهة علي ضفة القناة تعتمد علي شبكة من بدو سيناء وكذلك العناصر المدربة من رجال المخابرات الحربية والتي خاضت حرب الاستنزاف في ربيع 96.. وكان الفريق محمد أحمد صادق مدير المخابرات الحربية وقتها قد قام بتكوين منظمة تحرير سيناء من شباب البدو - لجمع المعلومات ورصد التحركات وراء الخطوط الاسرائيلية.. وقامت القوات الخاصة بواسطة الإبحار الجوي بالهيليكوبتر النفاذ إلي مناطق الحشود الاسرائيلية في الوسط وتنفيذ عمليات الهجوم عليها وتستخدم عنصر المفاجأة لإيقاع خسائر كبيرة بقواتهم قبل الانسحاب من خطوط خط بارليف وتحصيناته. وقد لعبت المخابرات الحربية دورا مهما في توفير المعلومات اللازمة لتلك العمليات والخطط خلال فترة حرب الاستنزاف ودخلت الحرب السرية ضد المخابرات الإسرائيلية بمساعدة ابناء سيناء واكتسبت المهارات والتدريب علي عنصر الخداع والمفاجأة في حرب اكتوبر »العاشر من رمضان«.. وعلي مدي سنوات الاستعداد للحرب كان جهاز المخابرات الحربية ينشر عيونه واذانه وكان يرصد »دبة النملة« وكان رجاله يجمعون المعلومات عن التحركات الإسرائيلية في العمق وداخل خط بارليف نفسه، ولم يكن هناك سلاح يدخل الوحدات الإسرائيلية في سيناء إلا وكانت المخابرات الحربية علي علم به وقد ساعدت ذلك القيادة - التي كانت تخطط للحرب علي تحديد حساباتها أثناء وضع الخطة لقياس التجهيزات الإسرائيلية في سيناء - سواء في خط بارليف أو في العمق لتحديد القوات الموجودة في خط المواجهة علي ضفة القناة وفي الخطوط الدفاعية الخلفية والحشود الموجودة بها. وبعد حرب أكتوبر سئل موشي ديان وزير الدفاع الاسرائيلي: كيف استطاعت مصر تحقيق المفاجأة في العبور واقتحام خط بارليف الحصين؟ وكان جوابه: لقد ملأوا سيناء برادارات بشرية تنقل للقيادة المصرية كل المعلومات اللازمة عن تحصينات وحشود القوات الإسرائيلية في سيناء وبالذات الأهداف التي دمرتها الضربة الجوية الأولي للطيران المصري يوم 6 أكتوبر وكان لتلك المفاجأة تأثيرها علي الجبهة! وما لم يذكره ويعترف به ديان مدي نجاح عنصر الخداع والمفاجأة وتضليل المخابرات الإسرائيلية وحجب أي معلومات عن خطة الحرب.. وكان ذلك بفضل رجال المخابرات الحربية المصرية الذين كانوا يزودون قيادة الجبهة بكل المتغيرات علي امتداد جبهة القناة الطويلة »022 كيلو مترا« لترتيب الهجوم المفاجئ من خلال معلومات دقيقة ومحددة تصل أولاً بأول إلي المشير أحمد إسماعيل واللواء محمد الجمسي في مقر القيادة الميدانية وبدرجة القيام بالتمويه علي تحركات القوات المصرية في الضفة الغربية والايحاء بحالة الاسترخاء وراء الخط الترابي الذي يواجه خط بارليف وبينما كانت الحشود المصرية من الدبابات والمدافع تتدفق علي الجبهة وتأخذ مواقعها الخفية! كانت مهمة المخابرات الحربية - قبل العاشر من رمضان - في غاية الصعوبة مع اقتراب ساعة الصفر خوفا من توصل المخابرات الإسرائيلية إلي خيط أو معلومة خشية ان تبادر إسرائيل بتوجيه ضربة إجهاض ضد القوات المصرية ومنعها من العبور »الي الضفة الشرقية في سيناء« ومنعها من اقتحام خط بارليف الحصين.. وكان لدي المخابرات الحربية معلومات وثيقة عن خزانات النابالم التي اقامها الإسرائيليون في الضفة الشرقية لكي يقوموا بفتحها وضخ انابيبها بالنابالم في حالة عبور القوات المصرية وتحول مياه القناة إلي عائق ملتهب بالنار وتحرق قوارب العبور وفي ليلة 5 -6 أكتوبر قامت مجموعة خاصة من سلاح المهندسين - في عملية جريئة - بالتسلل سباحة إلي مواقع فتحات النابالم وازالت توصيلات وقامت بسد فتحات الأنابيب الموصلة الي مياه القناة وعطلتها عن العمل.. وكانت مفاجأة غير متوقعة للقيادة الإسرائيلية مساء يوم 6 أكتوبر.. وعندما تحددت ساعة الصفر قام اللواء فؤاد نصار- مدير المخابرات الحربية وقتها - بارسال مجموعة من كتيبة استطلاع إلي عمق سيناء وتم ازالتها وعبورها بالقوارب المطاطية إلي الضفة الشرقية ليلا وتوغلت المجموعات في العمل »خلف خط بارليف« بالجمال وسيرا علي الأقدام وبمعاونة بدو سيناء.. وتمكنت من رصد الطرق والمحاور ومخازن الطوارئ ومعسكرات الاحتياطي للقوات الإسرائيلية في وسط سيناء وفي الخطوط الخلفية لمواقع خط بارليف وكانت مجموعة المخابرات الحربية بمثابة أجهزة الانذار المبكر للقيادة المصرية..! ولكن حدثت مفاجأة غير متوقعة كادت تكشف المفاجأة في خطة الحرب: وفي ليلة 4 أكتوبر بدأت القيادة السوفيتية العسكرية في مصر في إجلاء العائلات الروسية في مصر وسوريا واقامت جسرا جويا لنقلهم إلي موسكو.. وأثار ذلك انتباه المخابرات الإسرائيلية وفي فجر 5 أكتوبر اتصل الجنرال إيلي زعيرا مدير المخابرات الحربية بمدير الموساد وأبلغه بالأمر.. وقرر موشي ديان وزير الدفاع اعلان التعبئة علي سبيل الاحتياط وفي نفس الوقت أخذت قوات المدرعات تحتشد في وسط سيناء وخط بارليف.. ومنعت القيادة الإسرائيلية الحركة علي الجسور المفتوحة وقامت بمراقبة المحاور وأرسلت قوات من الاحتياطي إلي قطاع المليز وتحادا ورفح.. وأبلغ مدير المخابرات الحربية الرئيس السادات بتلك التحركات حتي توضع في الخطة وكانت العجلة قد بدأت في الدوران ولكن الإسرائيليين لم يتأكدوا من ذلك وظلت الأحوال علي حالها في خطوط الجبهة! كانت هناك مخاطر تحيط برجال المجموعة 93 قتال وهي إحدي مجموعات المخابرات الحربية المكلفة بالعمليات الخاصة والذين ظلوا يتحركون كالأشباح في وسط سيناء والخطوط الخلفية لرصد كل التحركات والابلاغ عنها وكان لهم دور كبير في حماية مفاجأة الخطة.. وكانوا يعملون في صمت وسرية.. إن كانت حرب ما قبل الحرب! خفايا تجارة السلاح! صارت تجارة السلاح هي الأكثر رواجا في أسواق العالم.. وتعتبر تجارة الأسلحة الصغيرة »والسريعة« هي التجارة غير المشروعة التي تنافس تجارة المخدرات وتحقق أرباحا طائلة وتنشط في اسيا والشرق الأوسط وافريقيا ايضا.. وهناك مافيا واسعة تسيطر علي صفقات الأسلحة الخفيفة وتقوم بتهريب شحناتها عبر دول العالم الثالث.. وبالذات المافيا الروسية والمافيا الاسرائيلية وتمتد أذرعها السرية كالأخطبوط في السوق العالمي وتتحكم في الصفقات والعمولات. وتوجد مافيا خطيرة في سوق السلاح هي مافيا تجارة الماس الاسرائيلية التي تغذي الصراعات المسلحة في الدول الإفريقية، وتقوم بشراء الماس من مناجم كاتنجا »في الكونغو«، ومن موزامبيق ومن جنوب افرييا بأسعار زهيدة في مقابل توريد صفقات السلاح الاسرائيلي وبعد ذلك تعيد بيع الماس في الأسواق وبأسعار مرتفعة وبذلك تجني مكاسب مضاعفة بالمليارات. وتعمل المافيا الاسرائيلية علي زيادة التوتر في وسط افريقيا وإشعال الحروب الأهلية - والصغيرة - كما كان الحال في جنوب السودان، بتزويد الفصائل بالسلاح سرا وترويج مبيعات السلاح الاسرائيلي من الأسلحة الخفيفة! وتعمل الدول في تجارة السلاح وقد دخلت الصين علي الخط لكي تنافس روسيا ودول أوربا الشرقية وقد راجت في سوق السلاح لأسعارها المنخفضة والقيام بتهريب شحناتها عبر قنوات سرية.. وذلك بخلاف صفقات الأسلحة الثقيلة التي تعقدها الصين مع إيران وغيرها.. وهناك تعاون مشترك في إنتاج الصواريخ المتوسطة المدي ويعتمد عليها الإيرانيون في التسليح كما قامت الصين بتقليد الأسلحة الروسية الثقيلة وبالذات الطائرات الحربية طراز الميج والسوخوي. وقد راجت تجارة السلاح في افغانستان وبالذات الأسلحة الخفيفة التي يتم تهريبها الي طالبان وفصائل أخري، وتستفيد مصانع الأسلحة الخفيفة في امريكا وروسيا والصين من الصراعات الاقليمية وينتشر الكلاشنكوف الروسي -مثلا- في أيدي المتمردين.. وقد انتعشت تجارة السلاح المهرب في الشرق الأوسط وصارت تشكل تهديدا للأمن في دول المنطقة -كما هو الحال في سيناء- وتنوعت مصادرها وأنواعها. وكان العقيد القذافي يعقد صفقات سرية من الأسلحة المتوسطة ويضعها في مخازن سرية تحت الأرض -في سرت وطرابلس- لاستخدامها ضد معارضين من الثوار، وبعد سقوط نظامه تم اكتشافها واستولي عليها فصائل الثوار وانتقل جزء منها الي تجار السلاح ويتم تهريبها عبر الحدود المفتوحة الي مصر ودول افريقية مجاورة.. ويتم غسيل أموال السلاح عبر قنوات سرية في المصارف العالمية - من خلال شبكات معقدة ويصعب تحديد حركة الأموال بينها أو ضبط مصادرها وتجري عملية الغسيل في دول العالم الثالث التي لا تخضع المصارف فيها للرقابة »وكذا لبنان ودول الخليج«! المشردون في أمريكا وأوربا ظاهرة متفشية لاحظتها في العواصم الكبري -خلال زياراتي لنيويوركوواشنطن وباريس ولندن وهي: الذين يعيشون بدون مأوي وبدون مسكن ويسمونهم الHOME - LESS أو المشردين وينتشرون في محطات مترو الأنفاق ومحطات القطارات وعلي أرصفة الشوارع والحدائق العامة.. وفي الشتاء القارص البرودة - تحت الصفر- تجد من يلجأون للتدفئة تحت المطر والثلوج بجوار فتحات البخار الساخن من الأنفاق.. وفي نيويورك شاهدت عجوزين يبحثان عن بقايا الطعام في صناديق القمامة مع الكلاب والقطط الضالة ولم يلتفت اليهما أحد من المارة وكأنه أمر عادي.. ويبدو المشهد متكررا في لندن وباريس ولا يثير الإهتمام.. وعندما سألت عمدة نيويورك وقتها عن عدم الاهتمام بتوفير مساكن شعبية للفقراء والمشردين قال: إن ميزانية الولاية لا تكفي لبناء مساكن للقادرين علي دفع الايجارات، فماذا تفعل لآلاف العاطلين عن العمل؟ وسمعت من الشبان المصريين العاملين في باريس الذين التقيت بهم: أنهم في ليال كثيرة كانوا ينامون بدون طعام ويفترشون الأرض في أرصفة مترو الأنفاق وحدائق المتنزهات ويكون الواحد محظوظا عندما يعثر علي غرفة مع زملائه بإيجار رخيص في المناطق العشوائية كمأوي لهم بعد العمل الشاق في أسواق الخضار والمطاعم! ورغم البرامج التي يطرحها المرشحون.. من الجمهوريين والديمقراطيين - في انتخابات الرئاسة والكونجرس إلا أن مشكلة البطالة تتفاقم وخاصة بين السود في واشنطن حيث ينتظر العاطلون القادمون إلي العاصمة الاتحادية للبحث عن فرصة عمل ويفترشون الأرض بالقرب من البيت الأبيض ويتسولون الطعام من المارة وقد زاد عدد السود الي 07 في المائة من سكان واشنطن، ومن هنا حظر التجول في الشوارع ليلا وكذا الحال في نيويورك وخصوصا من الشارع العشرين.. وحتي في باريس لا يوجد أمان في الشوارع الضيقة المتفرعة من الشانزليزيه حيث تترصد المارة عصابات من المشردين بعد منتصف الليل.. وفي مترو الأنفاق في باريس وفي لندن ينتشر المتسولون والمتشردون الذين يفترشون الأرض -لكن الأخطر هم المراهقون الصغار الذين يقومون بسرقة ركاب المترو بالإكراه وبالأسلحة البيضاء في آخر الليل وخصوصا في الشتاء حيث تهدأ الحركة.. ولذلك فإنهم يحذرونك في ركوب المترو وحيدا في وقت متأخر! إن الفقر والعنف وجهان لعملة واحدة في تلك العواصم الكبري حيث تنتشر عصابات المخدرات وأوكار الدعارة في الظلام وبرغم زيادة دوريات الشرطة فإنها تعجز عن توفير الأمن، ومنهم هذه العصابات في باريس -مثلا- من الجزائريين المهاجرين وكذلك الأفارقة الذين يمارسون نشاطهم بالعنف.. وهذا هو الوجه الآخر للمدن الكبري في أوربا وأمريكا!