نوال مصطفى يثبت الفنان القدير يحيي الفخراني أن المبدع الحقيقي كالحجر الكريم تزداد قيمته ويعلو ثمنه كلما مضت عليه السنين. ويؤكد لنا في أحدث أعماله "الخواجة عبدالقادر" أن الممثل المثقف في تحد دائم مع نفسه بحثاَ عن عمل جديد يضيف إلي رصيده السابق ، وهنا أتحدث عن الرصيد الفني والأدبي وليس الرصيد الموجود في حسابه بالبنك. هذا الفنان الكبير نجح في البحث عن نص أدبي درامي محترم واستطاع أن يجده فالمؤلف عبدالرحيم كمال اسم قد لا يتمتع بشهرة جماهيرية كغيره من المؤلفين المعروفين. فقد كتب مسلسلا واحدا عرض في رمضان قبل الماضي عام 2010 وهو مسلسل "شيخ العرب همام". وكان أيضاً بطولة الفنان القدير يحيي الفخراني. إذاً فقد أحس الممثل بموهبة المؤلف الشاب وتابع انتاجه و التقط واحدة من الأعمال النادرة فعلاً في الدراما التليفزيونية وهو "الخواجة عبد القادر" هذا أولاً أما التحدي الثاني الذي نجح فيه باقتدار فهو تقمص شخصية الخواجة الإنجليزي الذي يعيش في مصر وبالتحديد في الصعيد ، ويحاول اكتشاف تلك الثقافة الحية التي تختلف كثيراً عن ثقافته ويتعلم اللغة العربية والقرآن الكريم. يفعل ذلك الخواجة عبد القادر ويتكلم بلسان عربي "مكسر" ويجعلنا نغوص في الأحداث ناسين تماماً أن البطل الذي نراه هو يحيي الفخراني مصدقين تماماً أنه الخواجة الذي يجتهد في البحث عن كلمة عربية توصل المعني الذي يريد أن يقول. هكذا يكون الاتقان والتقمص والمقدرة العالية في التمثيل وهو ما يستحق أن نرفع له القبعة لهذا الممثل القدير. أعود للعمل نفسه الذي أعتبره "أيقونة" رمضان هذا العام وأقول أنه عمل ممتع بكافة المقاييس. ابتداءً من النص المكتوب بحرفية عالية وثقافة عميقة ونفس صوفي وفلسفي يطفو بين السطور وفي معظم المشاهد. ثم فريق التمثيل بقيادة المخرج الشاب شادي الفخراني الذي جعلنا نعيش داخل هذا العالم الجديد ، رغم أن مواقع التصوير تجري في سوهاج بصعيد مصر.. الغرائبية و روح الأسطورة في المشاهد و الأحداث تزيد من التشويق والمتعة خاصة وأنها ليست مجرد أدوات للإثارة لكنها تغوص في فكرة العمل وفلسفته وغايته. فالإيمان نور القلب وليس ارتفاع الحناجر وتقصير الجلباب ، والخواجة الذي جاء من أوروبا محملاً بكل أسباب الضياع والانهيار والاكتئاب وكان يعيش متمنياً الموت ، يكتشف فجأة ذلك النور الموجود داخل قلبه لكنه لم يكن يراه. اللحظة الفارقة في حياة الخواجة عبد القادر هي لحظة التقائه بأحد الصوفيين في السودان هذا الشيخ كان مرشده إلي نفسه وإلي ذلك النور الذي غيّر حياته تماماً من النقيض إلي النقيض.. صراع الخير والشر كذلك في هذا المسلسل كان محبوكاً قوياً مؤثرًا تمثل في الخواجة عبد القادر من جهة والحاج عبد الظاهر من جهة أخري وكانت مباراة رائعة بين ممثلين كبيرين هما يحيي الفخراني وأحمد فؤاد سليم. فريق التمثيل كله أجاد وأبدع وتباري في الإتقان : سولافة المعمار، سوسن بدر ، محمود الجندي ، صلاح رشوان، سماح السعيد، ولا نستطيع أن ننسي مدير التصوير المبدع الذي تفنن في رسم الجو الغرائبي في أرجاء مشاهد العمل بالإضافة إلي موسيقي العبقري عمر خيرت التي ساهمت في تعميق اللحظات الدرامية باقتدار . إنه عمل يعيد إلينا الأمل في انتاج أعمال درامية قوية تنافس وتتصدر الدراما التليفزيونية في الوطن العربي فشكراً للخواجة عبد القادر أقصد.. ليحيي الفخراني الفنان القدير.