كثيرون لا يأملون خيراً من الدستور الذي تعده الجمعية التأسيسية، وينتظر الانتهاء منه بعد أسابيع قليلة قادمة. المتخوفون عبروا عن توقعاتهم التشاؤمية بالكلمة المسموعة عبر الفضائيات، أو بالكلمة المقروءة في الصحف الورقية والالكترونية.. تعليقاً علي ما يتردد ويتسرب من أخبار وتوقعات وشائعات تنسب للتأسيسية، بعضها صحيح ومعظمها لم يناقش أصلاً، أو لم يتفق عليه بعد (..). فيما عدا الجهر بالرأي المعارض والشخصي لأداء التأسيسية، لم نر تحالفاً جماعياً لمواجهة هذه المخاوف من خلال التقدم بمبادرة تكون تحت نظر أعضاء التأسيسية في جلساتها الاستماعية والتقريرية. ما لم نفعله في مصر فعلته تونس التي بادرت بمواجهة ذات المخاوف من سيطرة التيارات المتشددة علي إعداد الدستور، وفرض نصوص ومواد لا تلقي إجماعاً من الشعب التونسي وتمخضت هذه المواجهة عن "وثيقة حقوقية تعكس مطالب الحرية والكرامة التي نادت بها الجماهير العربية المنتفضة".. كما وصفها الموقع الإلكتروني الليبرالي الشهير "الأوان" في تقديمه لها علي صفحاته الشائقة. الوثيقة شارك في إعدادها: المعهد العربي لحقوق الانسان، والاتحاد العام التونسي للشغل، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، والهيئة الوطنية للمحامين، وجمعية النساء الديمقراطيات، ونقابة الصحافيين التونسيين. حرص أصحاب تلك الوثيقة الرائعة علي التقديم لها بمقدمة طويلة أكثر روعة، اخترت واحداً أو اثنين من بنودها: تحت عنوان لافت يقول: "عهد تونس للحقوق والحريات"، قرأت: نحن مواطنات ومواطني تونس إذ ندرك أن بلدنا تونس يزخر دائما بثقافة مدنية عميقة ومتأصلة، وبتقاليد قانونية ودستورية عريقة، وبمقومات حضارية ودينية وسطية ومعتدلة ومتسامحة تنبذ العنف والتعصب والتمييز والكراهية. وإذ ندرك بأنّ تونس قد فتحت بثورة الكرامة أفقا رحبا لكلّ شعوب المنطقة حتّي تنتمي إلي إرث الحريات الإنساني المشترك وتُثري هذا الإرث بالمبادئ الخصوصية لثقافة بلداننا المتسامحة والمنفتحة علي منجزات البشرية في كلّ ميادين المعرفة والعلم والآداب والفنون، وإذ ندرك أنّ الكرامة والمساواة والحرية والعدالة التي كانت مبادئ الثورة هي نفسها الأسس التي يجب أن تبني عليها مسارات انتقال ديمقراطي يكرّس المواطنة والحريات والتعددية والمشاركة الديمقراطية ويقطع مع ماضي الاستبداد بإعمال مبادئ سيادة القانون واستقلال القضاء والعدالة الانتقالية، وإذ ندرك أنّ ثورة التونسيات والتونسيين ثورة مدنية تجاوزت في لحظة الإحساس بالكرامة الفردية والجماعية التمايزات الجهويّة والقبليّة والعروشية والفئويّة والجنسيّة. إنّ احترام حقوق الإنسان والنّهوض بها هي حقّ لكل المواطنات والمواطنين بقطع النظر عن جنسهم ولونهم ومنشئهم وانتماءاتهم الاجتماعية وآرائهم وأفكارهم ومعتقداتهم وخياراتهم، مع التأكيد علي حقّ النساء والأطفال والمسنّين والشباب وذوي الإعاقة والفقراء والمهمشين ماضيا وحاضرا ومستقبلا في رعاية خاصة. حقوق الإنسان مترابطة وشاملة وغير قابلة للتجزئة. ولا للتراجع عنها. ولا تفاضل بينها. وهي أساس تكوين النّظم السياسية. وهدف البرامج التنموية والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعاون الدولي. وإنّ هدف حقوق الإنسان الأسمي هو رعاية الحريات الشخصية وضمان المواطنة الكاملة وكفالة إدماج كلّ إنسان في المجتمع دون إقصاء أو تهميش. .. بعد هذه المقدمة الجامعة المانعة التي كان لابد من التذكير بها، حددت الوثيقة مواد الدستور المرتقب الواحدة بعد الأخري. وللحديث بقية.