بدأت أمس الأول مشاركتي في الجدل الذي أثاره القرار الحكيم للملك عبدالله بن عبد العزيز، ويقضي بحصر وقصر إصدار »الفتوي« علي هيئة كبار العلماء، دون غيرهم. القرار الذي جاء متأخراً لقي ترحيباً بالغاً من أهل الفكر والتحديث والناشطين من أجل تعزيز »العدالة والحرية والديمقراطية وحقوق الانسان«، من خلال موقعهم الإلكتروني المتميز: »منبر الحوار والإبداع«. طرح الكاتب الصحفي السعودي: د. عبدالعزيز الصويخ، سؤالاً مهماً هو: »ما مدي حاجة مجتمعنا للفتوي؟«. السؤال يفرض نفسه ليس فقط في المجتمع السعودي وإنما الحال من بعضه في باقي الدول العربية خاصة مصر التي أصبح عدد من يفتون فيها عبر الفضائيات الدينية التي وصفها »الصويخ« بأنها تتناسل كالأرانب أكثر من عدد مشاهدي هذه القنوات! د. الصويخ كتب منبهاً، ومحذراً: » نحن عباد لله وحده، فلماذا نجعل ديننا رهنا لآراء الناس وأهوائهم وفينا كتاب الله وسنة رسوله؟! إن الإسلام لا يقبل أن يكون هناك وسطاء بين العبد وربه«. من جانبه يقول الكاتب »أحمد عدنان« إننا نجد أنفسنا اليوم إزاء »بطركة« لمنصب الإفتاء، التي لا أصل لها في الإسلام. ويستند »أحمد عدنان« في نفيه إلي أن »منصب المفتي بدعة عثمانية تمت لأغراض سياسية وبروتوكولية«. ويذكرنا الكاتب أيضاً بمقولة للإمام »محمد عبده« رحمه الله جاء فيها: »لكل مسلم أن يفهم عن الله من كتاب الله. وعن رسوله من كلام رسوله.. بدون وسيط أحد من سلف ولا خلف، ويجب عليه قبل ذلك أن يُحصل من وسائله مما يؤهله للفهم«. ومن أهم ما ركز الكاتب والباحث »أحمد عدنان« عليه في مقاله، كانت دعوته إلي ترك كتب كتبها الأموات من أسلافنا، وعدم استبدال كتاب الله بأقوال أئمة يؤخذ رأيهم، ويرد عليه بأقوال إمامنا و إمامهم وقدوتنا وقدوتهم وهو الإمام الأول : سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم. ويحذر الكاتب أحمد عدنان من »تحوّل عن عبادة الله إلي عبادة الشيوخ«. كما يري أن المصيبة ليست فقط فيما يسببه هؤلاء الشيوخ بفتاويهم من الفرقة بين الناس، وشق الجماعة، وفساد ذات البين.. بل إن »المصيبة الحقيقية في الشرك الذي يقع فيه هؤلاء بمجافاة الحق، لمتابعة مشايخهم«. ونعود إلي طارح السؤال الأصلي عن الفتوي و الجدوي من ورائها د. عبدالعزيز الصويخ، الكاتب في صحيفة المدينة السعودية منبها مرة أخري إلي أن »الفتوي أصبحت جزءاً من تركيبة المجتمع السعودي، الذي أصبح الفرد فيه لا يمكن أن يعيش دون أن يأخذ أحد بيده. ليس في شئون الدين وحده، بل في جميع شئونه الحياتية الأخري«. ولا يبالغ د.الصويخ أيضاً عندما يؤكد أن مجال الفتوي في بلاده السعودية قد تعدي حدودها المحلية، وهي ظاهرة باتت تحكم المجتمعات الإسلامية وتعوق تنميتها وتقدمها. وتفسير ذلك .. نراه ونسمعه في متابعتنا حالياً لبرامج الفتاوي، و الاستشارات عبر القنوات الفضائية السعودية، حيث نلاحظ مدي الإقبال علي علماء السعودية لطلب فتاويهم في قضايا الأحوال الشخصية مثل الزواج والطلاق وفي المسائل الاقتصادية والمالية مثل التعامل مع البنوك وفي مجال العلاقات مع الآخر الغربي، وغيرها من المجالات الأخري.. وذلك يعود كما يفسر د. الصويخ لجملة معطيات أهمها »العودة إلي موطن الرسالة من أجل الحماية ،الحسم لكثير من القضايا المختلف حولها في ظل الحراك داخل المجتمعات الإسلامية علي أساس مذهبي، وتفاعل أهل الأطراف المصب مع المركز في مكةوالمدينة«. لهذه الاعتبارات كلها التي نراها، ونسمعها، و نقرأها كان لابد من » ضابط« أو » رابط « لفوضي إطلاق الفتاوي في أي شيء وكل شيء. يري د. الصويخ أن قرار خادم الحرمين الشريفين بتنظيم الفتوي في المملكة »قد يكون المدخل للحد من انفلات الفتاوي دون رابط حتي أصبحنا وكأننا في سيرك يخرج علينا فيه أحد اللاعبين بحيلة جديدة Stunt ليلفت إليه انتباه المشاهدين، أو أمام حاو يقوم كل يوم بتقديم خدعة جديدة لجمهوره، لكن يظل سؤالي الجدلي حول الحاجة للفتوي؟ وما إذا كان وجود الفتوي أصلاً أمرا مطلوبا يكتمل به فهم الدين، ولا يحسن دونه إسلام الفرد؟«. الإجابة عن السؤال لا تزال غائبة، ولم يتوصل صاحبه إليها، مما شجعه علي إعادة طرحه علي زوار الموقع الرائع والبديع: »»منبر الحوار والإبداع« معبراً عن أمله و أملنا معه في تلقي إجابة شافية عليه من قبل أصحاب العلم الشرعي. إبراهيم سعده [email protected]