لن أضيف جديدا عندما اصف العدوان الذي أودي بحياة 16 من خيرة شبابنا بالخسة، فقد أطلق المعتدون النار عليهم ساعة الافطار، وهوأمر لفت نظر الجميع بسبب كل هذا القدر من الخسة والنذالة والانحطاط الاخلاقي الذي يتجاوز سلوك قطاع الطرق او المجرمين اوعصابات المافيا. كاتب هذه السطور يعرف جيدا قيمة شهدائنا، وطالما واريت بيدي رفاقي واخوتي التراب اثناء حرب اكتوبر 1973، واريتهم حرفيا وليس علي سبيل المجاز، واذا كان من شاركت في اكرامهم بالدفن قد استشهدوا وهم يخوضون معركتهم، فإن ابناءنا واخوتنا الستة عشر تم اغتيالهم بخسة ودناءة وهم يتناولون طعام افطارهم بعد يوم شديد القيظ، وفي ابعد نقطة من مصر علي الحدود . لا أريد ان أطيل كثيرا في هذه النقطة لأن الارجح ان هذا العمل الاجرامي سيتكرر بسيناريوهات مختلفة، بل تكرر بالفعل ومازال يتكرر، لو اكتفينا بالصراخ ولطم الخدود وتوجيه السباب. والحقيقة ان لدينا كارثة كبري تتمثل في ان الاجهزة المختلفة، أي الاجهزة السيادية تحديدا، لديها معلومات واضحة ودقيقة عن هذه التغييرات الحثيثة التي كانت تجري علي مهل، كما انها مسئولة عن إشاعة هدا المناخ الذي أوصلنا لما وصلنا اليه، اي تشكل تنظيمات ارهابية مسلحة ومدربة تقوم بقتل ابنائنا. ومنذ عودة السيادة الجزئية المصرية علي سيناء، والكتاب والمفكرون والسياسيون علي اختلاف انتماءاتهم يلحون بل ويجأرون بالصراخ مطالبين بتنمية سيناء ليس من أجل عيونها السوداء مثلا، بل من أجل الامن القومي المصري، لأن الحل هو خلق واقع جديد، وتحويل سيناء الي امتداد طبيعي للوطن الأم، وليس مجرد بقعة معزولة حسبما أجبرتنا اتفاقية كامب ديفيد . ولما كانت هذه الاتفاقية التي وقعت عام 1978 اتفاقية مُهينة وتحول دوننا ودون التصرف في سيناء بسيادة فإن اول خطيئة تم ارتكابها هي التعامل مع الاتفاقية باعتبارها قدرا لافكاك منه، علي الرغم من ان الاتفاقية ذاتها تعطينا الحق في مراجعتها وتعديلها . وقد حافظ مبارك ونظامه علي الاتفاقية بل وعض عليها بالنواجذ، ولم تكن هناك أي مبالغة في وصف الاسرائيليين لمبارك بأنه كنز استرتيجي لإسرائيل طوال ثلاثين عاما، ولم يحدث ان طالب بتعديلها، علي الرغم من تكرار حوادث الاعتداءات التي كانت تستوجب تعديلا كهذا . وهكذا، جري تأييد هذا الوضع المزري، وبدلا من تنمية سيناء تم قمعها، والقيام بغارات همجية للقبض علي ابنائها واعتقالهم والتنكيل بهم، وتفنن مبارك ونظامه في قمع سيناء وتكريس عزلتها وانفصالها عن بقية الارض المصرية بدأب واهتمام شديدين . قبل الثورة، كانت الدلائل واضحة علي نمو وشيوع هذا المناخ القمعي، الذي يعد التربة الخصبة التي احتضنت التنظيمات الارهابية التكفيرية ورعتها وسمحت لها بالتمدد، ولم يكن خافيا علي اجهزة الامن ان هناك جماعات تنمو وتترعرع بقوة وثبات، وفي ذروة احكام السيطرة البوليسية لنظام مبارك، خصوصا في السنوات الاخيرة قبل خلعه، دأبت هذه التنظيمات علي القيام بعمليات ارهابية مسلحة في سيناء. وبعد الثورة فإن المشكلة أكثر فداحة، لأن الدلائل علي وجود هذه المنظمات وتسلحها وتدريبها لم يكن يحتاج أي ذكاء، وسبق لإحداها ان هاجمت قسم شرطة واحتلته ورفعت الرايات السوداء واصدرت بيانات عن مسئوليتها عن حوادث ارهابية عديدة . التقصير والاهمال الجسيم واضحان تماما، وتتحمل مسئوليته اجهزة الامن والاستخبارات ،وليس معقولا ان يمر تحذير الاستخبارات الاسرائيلية لرعاياها بضرورة مغادرة سيناء قبل الحادث بيومين دون ان نلتفت مجرد التفات لتحذير كهذا، ونحمي جنودنا الذين فرضت عليهم اتفاقية كامب ديفيد ان يكونوا مستهدفين وغير قادرين علي الدفاع عن حدودنا . يمكننا ان نستغرق بعض الوقت في البكاء والصراخ علي ابنائنا الذين قتلوا غيلة وغدرا، لكن الحادث بالقطع سيتكرر، لذلك فإن الخطوة الاولي ان نمارس حقنا المنصوص عليه في الاتفاقية المشئومة بتعديلها . مثل هذا الامر لايحتاج إلا لقرار اليوم وليس غدا . لا أطالب بنقض الاتفاقية او الغائها من طرف واحد فلسنا مستعدين لهذا، لكنني اطالب بممارسة حقنا في تعديلها لنتمكن من حماية حدودنا، والحيلولة دون ان تتحول سيناء الي بؤرة ارهابية تنتمي للقاعدة او غيرها من الجماعات الجهادية . من حقنا ان نتصرف بسيادة في ارضنا - أليس هذا أمرا بديهيا ؟! - ومن واجبنا ان نصل الي الجناة الحقيقيين ومعاقبتهم، والاهم ان نجتث - نعم نجتث - منظمات الارهاب المسلح ماديا، وان نحول دون عودتهامن خلال تنمية سيناء وربطها بالوطن الام، أي من خلال تغيير الشروط المادية التي سمحت بنمو واستفحال المنظمات واستفحالها علي هذا النحو . واخيرا فإن أخشي ما أخشاه أن تمتد هذه الكارثة لموجة كراهية تجاه الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، وبعيدا عن اي كلام انشائي فإن ارتباطنا بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني ليس اختيارا او ترفا، بل هو قضية أمن قومي مصري، واذا ثبت ضلوع ارهابيين من داخل غزة ساعدوا في قتل الجنود المصريين فإن علي حكومة حماس ان تقبض عليهم وتسلمهم فورا، اما الانفاق فينبغي اغلاقها فورا وبلا تردد . رحم الله شهداءنا، والوصول الي قاتليهم ومعاقبتهم واجب مقدس لن يقبل الشعب المصري بغيره .